تزامنا مع مهمة "مدون" الفساد العراقي الأمريكي .. البحث عن أموال بلاد الرافدين المسروقة في كومة الفساد الكبيرة
بغداد – أدى إحتلال العراق عام 2003 وما لحقه من إحتلالات أخرى إلى فتح أبواب بلاد الرافدين أمام كل من هب ودب لممارسة فعل السرقة وبكافة أنواعها، من سرقة النفط العراقي إلى سرقة أموال العراق وسرقة تاريخ وحضارة وثقافة البلاد وسرقة فرحة أبنائه بالخلاص من نظام صدام حسين البشع، والمفارقة أن عمليات السرقة أصبحت تتم بمعاونة سياسيين عراقيين يديرون اليوم ما يسمى العملية السياسية، بل أن أغلب السرقات تتم بتدبير وأشراف ولصالح أولئك السياسيين. ومع زيارة مدون الفساد العراقي الأمريكي في بلاد الرافدين المفتش العام الامريكي ستيوارت بوين للعاصمة العراقية بغداد، كشفت اللجنة التحقيقية في اموال صندوق تنمية العراق المشكلة من قبل مجلس النواب، اليوم الاربعاء، عن أن مبلغ 8.8 مليار دولار صرف من دون مستندات، مبينة ان المبلغ الكلي الذي يتم التحقيق بشأنه يبلغ 61 مليار دولار. وقال عضو اللجنة النائب شيروان الوائلي في تصريح إعلامي إن "المفتش العام الامريكي المكلف بالتحقيق بأموال صندوق تنمية العراق بين ان هناك 8.8 مليار دولار صرفت من دون مستندات صرف او وثائق تبين مجال صرفها, على الرغم من انها مؤشرة كمبالغ مصروفة في زمن الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر". وأضاف "هناك 7 مليار دولار صرفت بوثائق تحوي اشكالات وخروقات بخصوص المطابقات, ومبالغ اخرى تصل قيمتها الى 25 مليار دولار دخلت صندوق التنمية وصرفت في مشاريع امنية من تجهيزات عسكرية وغيرها". يذكر ان المفتش الامريكي العام ستيوارت بوين قدم الى الكونغرس الامريكي في العام 2009 تقريرا يتعلق بفساد واسع رافق مشاريع اعادة اعمار العراق والتي انفقت عليها مبالغ كبيرة عراقية وامريكية. ونقل الوائلي عن المفتش العام الامريكي ستيوارت بوين قوله ان "هناك 60 شخصية امريكية يتم التحقيق معها بشأن هذه الاموال وسيتضمن التقرير الثاني اسماءهم, اما الاسماء العراقية فسيتم تقديمها للحكومة العراقية". وبين ان "المبلغ الكلي محل التدقيق يبلغ 61 مليار دولار, وان المفتش العام سيقدم تقريرين, الاول في شهر تموز من هذا العام والثاني في شهر كانون الثاني من العام المقبل". وشهدت بغداد مطلع الاسبوع الجاري جولة جديدة من المباحثات العراقية الامريكية الخاصة بالبحث في مصير عشرات المليارات التي وصف بانها "اموال ضائعة" خلال فترة حكم العراق من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة بول بريمر (2003-2004). وبحث نائب رئيس الوزراء روز نوري شاويس مع المفتش الامريكي الخاص في تحقيقات الاموال العراقية والامريكية المصروفة تحت باب "اعمار العراق" ستيوارت بوين، عددا من الجوانب المتعلقة بتحقيقات وعدت واشنطن بإجرائها بعد الكشف عن "غموض" يتعلق بمصير نحو اربعين مليار دولار من "صندوق اعمار العراق". وتعد مهمة بوين بحسب العديد من المحللين السياسيين العراقيين فصلا من فصول حكاية الفساد الطويلة في العراق، بدأ الصيف الماضي حين طالب رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي خلال لقاء بواشنطن جمعه مع نائب الرئيس الامريكي جوزيف بايدن بإجراء تحقيق حول مصير أصول مالية عراقية تقدر بأكثر من سبعة عشر بليون دولار صرفت من صندوق تنمية العراق عقب الغزو دون توثيق". وبعد اشهر وتحديدا في تشرين الاول الماضي جاءت مهمة نائبة المفتش العام الامريكي الخاص لبرنامج اعادة اعمار العراق، جينجر كروز في بغداد، اقرب الى من "يبحث عن ابرة في كوم من القش"، والابرة هنا ستكون "الحقيقة" فيما القش، هو "كوم الفساد الامريكي ونظيره العراقي" الذي يعتبر اكبر عملية سرقة للمال العام في التاريخ المعاصر". وبدأ كروز في بغداد سلسلة من التحقيقات عن الاموال العراقية التي صرفت في عهد الحاكم الامريكي بول بريمر، عبر سلسلة من اللقاءات مع مسؤولين عراقيين للتحقيق بالاموال "الضائعة"، لافتة الى حاجتها الى تعاون أكبر من البنك المركزي العراقي وديوان الرقابة المالية. لكنها بالتأكيد لم تكشف عما ستتبينه من العجب العجاب من اكوام الفساد الامريكية والعراقية التي نتجت عن صرف أموال العراق في زمن الحاكم الامريكي بول بريمر والبالغة 20 مليار دولار". وكانت إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش أرسلت قرابة الـ6.6 مليار دولار بعد إحتلال العراق عام 2003، لإعادة إعمار البلاد ولإنشاء مشاريع للعراقيين، غير أن المراقبين الحكوميين لا يعلمون أين هذه الأموال ويزعمون أنها "سرقت". ويؤكد المحللين والمراقبين السياسيين العراقيين أنه لا مؤشرات واضحة عن الفساد ستتوصل اليه الجهود الرصينة للمفتش العام الامريكي، انطلاقا من انه "لم يتم كشف اي مسؤول حقيقي عن فصول الفساد، يوم كان البيت الابيض معنيا بالعراق، فكيف يبدو الامر الآن، لاسيما مع اصرار ادارة الرئيس اوباما على طي صفحة العراق تماما". وضمن فصول الفساد وسرقة أموال العراق، كشف الأمين العام لمجلس الوزراء علي العلاق، عن ان المبالغ التي هربت الى خارج العراق خلال السنوات الماضية تقدر بـ180 مليار دولار، موضحا أن أقل من 5 بالمائة فقط من التحويلات الخارجية تتم بطرق قانونية. وقال العلاق في تصريحات صحفية ان "الحكومة عندما تحث البنك المركزي على تكثيف رقابتها على حركة الأموال فأن ذلك لا يعد تدخلا بعمل البنك، بل يأتي من أجل الحفاظ على المال العام". وأوضح ان تقريرا سابقا أصدره ديوان الرقابة المالية أكد ان عمليات التحويل الخارجي لا تتم وفق القانون أو التعليمات، الى جانب ذلك فان البنك المركزي في حينها طلب من وزارة المالية تشكيل فريق عمل لتدقيق عمليات التحويل الخارجي، مشيرا الى ان عمليات التدقيق لعينة مقدارها مليار دولار من التحويلات الخارجية أظهرت أن عشرة ملايين دولار منها فقط تتم بوثائق ومستندات أصولية، والتحويلات الاخرى تمت دون أي مستند وحولت مبالغها الى خارج العراق. وأضاف ان الفريق رفع حينها تقريرا الى الحكومة يؤكد أن هذه العملية تثير الشك والقلق وتؤشر وجود عمليات لتهريب الأموال تستهدف الاقتصاد الوطني، واصفا ذلك بأنه شكل صدمة كبيرة للحكومة لأنها وجدت أن أقل من خمسة بالمئة فقط من التحويلات تتم تحت غطاء قانوني بموجب مستندات في بلد مازال عرضة للفساد وعمليات غسيل الاموال وتمويل جرائم الارهاب. وأشار العلاق الى ان الحكومة طلبت في ضوء ذلك، من نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية روز نوري شاويس تنظيم اجتماع يضم الجهات ذات العلاقة مع البنك المركزي للوقوف على مشكلة الرقابة على أداء المصارف والرقابة على التحويلات الخارجية. وكشف عن ان ديوان الرقابة المالية اتهم خلال الاجتماع، البنك المركزي بتجاوز قانونه كالسماح باستيراد الدولار من الخارج وهي قضية عدها العلاق خطيرة وغير مفهومة، مضيفا ان البنك أجاب بأن هذا العمل يدخل ضمن سياسته واستقلاليته، منوها بأن ديوان الرقابة خاطب حينها مجلس شورى الدولة للنظر في ما اذا كان هذا العمل يقع ضمن صلاحيات البنك، فجاءت اجابة مجلس شورى الدولة بأن استيراد الدولار من خارج العراق مخالف لعمل البنك. وأكد الامين العام لمجلس الوزراء انه تمت مطالبة محافظ البنك المركزي بتشديد الرقابة على حركة الاموال، وتفعيل مكتب المفتش العام، الا ان البنك رفض مباشرة المفتش، اضافة الى مطالبة البنك بتفعيل مكتب غسيل الاموال الصادر بقانون باعتباره من تشكيلات البنك المركزي المسؤول عن مراجعة عمليات التحويل، مبينا ان هذه المطالبات تأتي لدعم البنك وليس التدخل في عمله كما يشاع، كون أن الحكومة مسؤولة عن ادارة هذه العملية والحفاظ على أموال الدولة وأموال الشعب العراقي. وعد العلاق "حصول خلل بهذا المستوى والشكوك بادارة مليارات الدولارات في بلد يحاول ان يبني اقتصاده فمعنى ذلك ان الجهود الاخرى للاصلاح الاقتصادي سوف لا تؤدي الى النتائج المطلوبة". وبين بان محافظ البنك المركزي تعهد حينها باتخاذ بعض الاجراءات التي تحد من عمليات تهريب العملة ومراقبة عمل المصارف لكن الحكومة لم تلمس أية نتائج للاجراءات، ووصلت الامور الى ان يحول من العراق 180 مليار دولار دون مستند أو وثيقة تحويل او اخراج لاسيما ان هذا المبلغ يمثل نصف ايرادات البلد خلال السنوات الماضية، وان اخراج هذه الاموال يتم وفق عمليات وهمية تحمل عناوين مبطنة مما يثير الريبة والتساؤل. وأشار الى ان الدستور الذي صدر بعد قانون البنك المركزي، بين ان السياسة النقدية واصدار العملة وانشاء البنك المركزي وادارته تقع ضمن اختصاص السلطة الاتحادية، اضافة الى ان السياسات العامة للدولة يرسمها مجلس الوزراء باعتباره السلطة التنفيذية، في حين ان قانون البنك المركزي يلزمه بالرقابة على أداء المصارف سواء كانت حكومية أو أهلية، والرقابة على التحويل الخارجي والالتزام بالضوابط بما يسمح بتحويل الاموال الى الخارج، اضافة لمهامه في الاسهام بتحفيز الاقتصاد ومعالجة البطالة وغيرها، موضحا ان الحكومة خلال مراقبتها لأداء البنك المركزي لاحظت وجود خلل في عمله، لاسيما في أعمال الرقابة ليس على المصروفات أو التعاملات الخاصة بالبنك، وانما على مستوى الرقابة على حركة الأموال وتحويلها وتداولها وتهريبها الى الخارج.