المحتالون الاتقياء.


امراة عراقية قالت بانها كانت من الآوائل في كلية الآداب قسم اللغة الروسية، ولما كنت على قليل من الاطلاع بهذه اللغة الجميلة واعرف بعض مفرداتها، خاصة تلك المفردات والصيغ المنتشرة شعبيا في اغلب بلدان العالم لكل اللغات مثل:
صباح الخير، مساء الاخير، ما هو اسمك، كيف حالك، كم عمرك وكم الساعة انا أُحبك الى غيرها من العبارات.
حاولت ان اسئلها عن اسمها باللغة الروسية لكنها بدت كالطرشاء البكماء. لم ترد علي حتى ولو بأشارة تفيد باني ربما قد اخطات اللفظ، لكن ابتسامة سذاجة ارتسمت على فمها ونظرة فراغ افضت عيناها من اي بصيص يدل على انها تفهم شيئا مما قلت بدت واضحة على وجهها.
سألتها مرة اخرى وباللغة الروسية عن عمرها، عن حالها، عن الوقت، عن عدد بناتها.. لم تنطق باي حرف وبدت اقرب الى الثول منه الى الادراك.
ابديت دهشتي واستغرابي بل ونفي القاطع بان تكون تلك المراة البالغة 28 سنة في وقتها، خريجة الاداب فرغ اللغة الروسية ناهيك ان تكون من الآوائل.
قالت انها ليست الوحيدة التي لا تعرف لغة اختصاصها، فالاغلبية مثلها.
لكن كيف اجتزتِ الامتحان؟ سألتها بشيء من الاستفزاز!
قالت بانها كانت تحفظ الاسئلة والاجوبة دون ان تفقه او تعرف معنى لاي مفردة روسية.
و لأنها رأتني مكذبا ادعائها لا مصدقا به ، ابرزت لي شهادة التخرج ودرجة النجاح وكانت جيد جدا.
قالت انها تخجل ان تقول انها خريجة كلية لغات، لذا كانت تقدم نفسها دائما كربة بيت فقط.
اقول رحمها الله لانها عرفت قدر نفسها ففضلت ان تدعي بانها ربة بيت على ان تقول انها خريجة لغات، فهي ليس مثل وزرائنا ونوابنا ومدرائنا وسفرائنا اصحاب الشهادات المزورة او المشتراة من الكليات الاسلامية الاهلية، الاردنية والايرانية والهندية والباكستانية او جامعات الانترنت تلك التي تمنح شهادات الدكتوراه للقادرين على الدفع والطامحين بالالتحاق بالقطيع البرلماني او غيره من (القطعان) الحكومية.
عبر احد البرامج للفضائيات العراقية توصلت مقدمته مع ضيفها الدكتور، وهو دكتور حقيقي وليس دكتور بالحج والعمرة، او بتجويد القرآن او دكتور بسورة الرحمن..اقول توصلت مقدمة البرنامج وضيفها بعد سماع عدد كبير من اتصالات المشاهدين بان خريجي الابتدائية في سبعينات القرن المنصرم كانوا افضل واعلى مستوى من بعض خريجي الجامعات العراقية في الوقت الحاضر.
اخبرني احد الاصدقاء بان احد الممرضين الهنود ذهب الى العراق في عهد النظام السابق وعمل كاستاذ بكلية الطب في نينوى، وبقى لسنوات طويلة يعمل في مستشفياتها ولم يكتشف ادعاءه وضحالة معلوماته احد، ذلك لان الاطباء العراقين كانوا وقتها اقل من ذلك الممرض الهندي معرفة وخبرة. اما اليوم فحدث ولا حرج.. ليس لان الاطباء او المهندسين او دكاترة الاختصاص المزيفين بارعين بالتحايل والاحتراف، بل لان هناك كمية من الغباء المنتشرة في صفوف الشعب كافية ان تمنح الفاجر الزنديق صفة التقي الزاهد الناسك.
بصاية حكومة حجي نوري لم يعد يشعر المزورون والمحتالون والمدعون باي قلق او خشية من ان يكتشفهم احد، فهم يعملون سرا وجهرا، ينتشرون في كل زواغير الحكومة المظلمة وغير المظلمة، تعج بهم مكاتب رئاسة الوزراء ومكاتب رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان،هم في الوزارات السيادية والوزارات غير السيادية، تزدحم بهم المواقع العيا للمشتريات والتجهيز والاستيراد والتصدر وعقد الصفقات.
وهؤلاء اضافة الى ضحالة قابلياتهم وشحة معلوماتهم في المهام التي يشرفون عليها او التي عليهم ادراتها، فانهم يمتازون ايضا بفساد الذمة والضمير.
فلا عجب ولا غرابة اذا تدهور العراق في زمن حكومة الحجاج.
ليس مهما ان تكون مؤمنا او حجيا او مصليا او مزكيا، فهذا لك وحدك، المهم ان تكون قادرا ومقتدرا وفاهما ومبدعا في مجال عملك.. فايمانك لك وسيجازيك الله عليه وحدك، اما موقعك الذي تحتله وتدعي انك قادرا على اشغاله فهو تكليف ان لم تستطع وان لم تكن مؤهلا له، فانت محتال ونصاب ايضا ان لم تسارع الى تركه او لا تعرض نفسك مرشحا له، امنح فرصة للكفوء المقتدر.
فالمحتال والنصاب ليس فقط ذلك الذي يغش او يزور شهادته، لكن ايضا ذلك الذي يغش في قابلياته وقدراته ويدعي ما لا يقدر، ربما يكون ضرر الثاني اكبر جدا من ضرر النصاب والمحتال العادي..