أيضيع العراق بين خامنئية شيعية وصدامية سنية؟

مشكلتنا أننا سنة وشيعة. مشكلتنا أن هناك قلوبا لا تنبض إلا شيعيا، وأخرى لا تنبض إلا سنيا. مشكلتنا أن هناك عقولا لا تفكر إلا سنيا، وأخرى لا تفكر إلا شيعيا. مشكلتنا أن هناك من يريد عراقا شيعيا، وآخرون يريدون عراقا سنيا. سيسألني الشيعي: أتريدني أن أتخلى عن كوني شيعيا؟ كما سيسألني السني: أتريدني أن أتخلى عن أكون سنيا؟ لو كان سؤال كل منهم على نحو الاستشارة مع الاستعداد على الاستجابة لمشورتي، لقلت نعم، كفاكم تمسكا بهويتَيكم الشيعية أو السنية. ولكن لكون هذا يمثل مطلبا وأمنية غير واقعيين، ولكوننا كعلمانيين ديمقراطيين نؤمن بالحرية، نحترم قناعات الناس وعقائدهم، نقول لهم: كن يا أخي السني سنيا، وكن يا أخي الشيعي شيعيا، لكن يا أخي الشيعي كن شيعيا في بيتك، في حسينيتك، وفي مرقد إمامك، وكن يا أخي السني سنيا في بيتك، في مسجدك، في ضريح وليّك، ولكن رجاءً رجاءً، لعيون العراق، اتركا بالله عليكما هويتكما المذهبية في البيت، واخرجا إلى الشارع، إلى المجتمع، إلى الحياة العامة، إلى الوظيفة، إلى المعمل، إلى الحقل، إلى البرلمان، إلى الحياة بلا بصمة شيعية، وبصمة سنية. عندها فقط سننعم بالسلام، والأمان، وستسود المحبة والاحترام المتبادل حياتنا الاجتماعية.

هل هذا مطلب مستحيل؟ لو رأيتَ – كرجل - امرأة جميلة جذابة المنظر، ولو رأيتِ – كامرأة – رجلا وسيما جذاب المنظر، هل ستفكران ما إذا كانت هذه المرأة الجميلة، أو ذلك الرجل الوسيم شيعيين أو سنيين، مسلمين أو مسيحيين، عربيين أو كرديين؟ لو استمعت لمحاضرة علمية مفيدة في مجال اختصاصها، من محاضِرٍ يتمتع بالعلم والاختصاص، فهل يهمك أن يكون شيعيا، أو سنيا، أو مسلما، أو ملحدا؟ لو كان مُدرِّس الرياضيات في مدرستك أيها الطالب وأيتها الطالبة قد نجح في مساعدتك لأول مرة في استيعاب مادة الرياضيات، التي كنت تلاقي صعوبة في استيعابها، هل ستسأل بالله عليك، أسني هو أم شيعي، أو مدريشنهي؟ لو رأيت لاعبا في مباراة لكرة القدم، انبهرت بمهارته، وقدرته على الحركة السريعة والمدروسة والأنيقة بالكرة، وبين اللاعبين، وعلى التهديف المتتالي، أستصفق له بعدما تعرف لأي طائفة ينتمي؟ لو رأيت أطفالا يلعبون ويمرحون، وأسعدك وأسرّك منظرهم، لما فيه من جمال، وبراءة، ومرح طفولي، أستسأل عما إذا كانوا من أسر سنية، أو شيعية، أو صابئية، أو مسيحية؟ لو كنت تتذوق الفن ورأيت لوحة تشكيلية رائعة، أعجبتك، وأبهرتك، وسحرتك، أسيكون موقفك من اللوحة مختلفا أيها الشيعي، لو علمت أن مبدعها سني، أو أيها السني او علمت أنه شيعي، أو أيها المسلم أن مبدعها إيزيدي أو لاديني؟ لو رأيت عمارة ذات فن معماري رائع واستثنائي، أيهمك عندما يسحرك جمال الإبداع المعماري فيها، أن يكون مصممها شيعيا، أو سنيا، أو مسيحيا، أو يهوديا؟

تماما هكذا هي السياسة. ما معنى أن يهمني في تحديد موقفي من السياسي، أن أعرف انتسابه لطائفتي أو للطائفة الأخرى. لكن مشكلتنا ليست في المواطن وحسب، وهي فيه بلا شك، لكن ليست حصرا، كما ليست في السياسي فحسب، وهي فيه بلا شك، فعندما يفكر السياسي سنيا عندما يكون سنيا، ويفكر شيعيا عندما يكون شيعيا، وهكذا عندما يحدد موقفه من أي قضية، ويحدد انتماءه، وولاءه، ومعارضته، وسكوته أو اعتراضه على أي من تدخلات الدول الإقليمية، عندما يحدد كل ذلك، في ضوء شيعيته أو سنيته، كيف ننتظر منه أن يبني وطنا؟ لأن السني سيريد أن يبني وطنا سنيا، لأن خارطته التي رسمها للوطن خارطة سنية، والشيعي سيريد أن يبني وطنا شيعيا، لأن خارطته التي رسمها للوطن خارطة شيعية.

لماذا لا يستنكر الشيعي قبل السني التدخل الإيراني المُضِرّ، والفضّ، والوقِح، والمخرِّب؟ وللماذا لا يستنكر السني قبل الشيعي التدخل التركي-القطري-السعودي المُضِرّ، والفضّ، والوقِح، والمخرِّب؟

أوطنيٌّ من ينبض قلبه بالولاء لخامنئي؟ وأوطنيٌّ من ينبض قلبه بالولاء للقادة السعوديين والقطريين والأتراك، أو أن يرف حنينا لعهد صدام؟ أوطنيٌّ ذلك الشيعي عندما يبرئ الخميني من كوارث حرب الثماني سنوات، ويعلم أنه هو الذي أصر على مواصلة الحرب من السنة الثالثة ولست سنوات، رغم استعداد صدام لوقفها بلا شرط؟ أو أوطنيٌّ ذلك السني عندما يبرئ صدام من كوارث حرب الثماني سنوات وحرب الكويت، وهو يعلم أنه هو الذي بدأهما برعونته، ويحن لعهد صدام، رغم المقابر الجماعية وحلبجة والأنفال والدجيل وغيرها؟

السنة الوطنيون والعقلاء براء من كل ذلك، كما الشيعة الوطنيون والعقلاء براء مما ذكرنا. لكن لماذا يعمم الشيعي تهمة البعث والإرهاب والتكفير على السنة؟ ولماذا يعمم السني تهمة العمالة لإيران على الشيعة؟

ثم إذا أصررتم على أن تكونوا مواطنين سنة، ومواطنين شيعة، وأن تكونوا مواطنين عربا، ومواطنين كردا، قبل أن تكونوا عراقيين، فأخبرونا بالله عليكم أين مكاننا نحن اللامذهبيون، اللاسنيون، واللاشيعيون، في هذا الوطن؟ أين مكان المسيحيون المسالمون، والصابئة الخائفون، والإيزيدية المكفَّرون، وأين مكان من ليس له علاقة بأيٍّ من ذلك في هذا الوطن؟ أم تريدون أن نرى أشلاء وطن، هنا شِلوة شيعية، وهناك شِلوة سنية، وأخرى كردية، وجزء آخر (مُختلَط) تتناوشه المخالب، كل يريد ضمه إلى هذه الشُّلَيْوة أو تلك؟

تبقى مشكلتنا أنّا شيعة، وتبقى مشكلتنا أنّا سنة.