البرلمان هو مرآة الوضع السياسي في البلد، فهو يعكس نسب وقوة الاحزاب وعلاقاتها مع بعضها وآرائها ومواقفها السياسية من الاحداث، وتصويتها برفض او قبول التشريعات القانونية، كذلك يعكس نوع العلاقة بينه وبين السلطة التنفيذية وبينه وبين الشعب. البرلمان هو الناطق باسم جماهير منتخبيه، يمثل ويدافع عن مصالحهم. وكلما كان البرلمان حيويا ونشطا وفعالا، كلما كان وضعه الصحي جيدا وحسنا، والعكس صحيح، كلما تعطلت اعماله ولم يكتمل نصاب جلساته ولم تبث مباشرة على جمهور الناخبين، وكلما تازمت العلاقة بين الحكومة وبينه ، كلما كان خاملا ومريضا يستوجب العلاج. لكن البرلمان العراقي لم يكن يوما لسان حال جمهور الناخبين، بل كان وما يزال لسان حال اصحاب الاحزاب المتحاصصة والمرجعيات الدينية. ولا نعتقد ان احد سيكون مختلفا مع الرأي والانطباع السائد عن البرلمان العراقي بانه لم ينجح في مجمل الواجبات والمهمات المفروض عليه تنفيذها. وقد يكون الاثنان، الحكومة والبرلمان مسئولان عن سوء وانقطاع العلاقة بينهما، لكن العلاقة بين الشعب وبين البرلمان، وحده البرلمان هو المسئول عن تدهورها. ان هذه العلاقة وصلت الى اسوء انواعها بعد ما اصبح البرلمان مؤسسة طفيلية لا مهمة لها سوى حصد الامتيازات والرواتب الضخمة والمخصصات العالية والتقاعد الفاحش. البرلمان العراقي هو اول برلمان في العالم يجمع الشعب على عدم الحاجة اليه وعلى المطالبة بحله فهو لم يؤسس على قاعدة الاعتزاز بالوطن ولا الانتماء للمواطنين ولا على مبادئ المنفعة العامة، انما أُسس على قاعدة المحاصصة والنفعية الشخصية والانتمائات الانانية والذاتية. وهذا لا ينطبق على البرلمان فقط، بل ان مجمل العملية السياسة تعمل بنفس هذه الروح الانانية النفعية الشخصانية دون ادنى اعتبار للمصلحة العامة. لذلك، ورغم حقيقة العجز الموجود في الميزانية وتوقعات انقلابات السوق النفطية، لم تتضمن اي موازنة حكومية لجميع السنوات اي فقرة لتخفيض رواتب المسئولين الكبار ومنهم النواب الذين يتقاضون اعلى الرواتب في العالم قاطبة، ولا لترشيد النفقات وتقنين صرفيات المسئولين والغاء الدرجات الخاصة وفرق المستشارين المنتشرين في كافة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والدبلوماسية. بل العكس هو الصحيح مرر البرلمان قانون التقاعد للرئاسات الثلاث وللنواب وللدرجات الخاصة وللمستشارين. السيد نوري المالكي الذي يتهم البرلمان باجهاض اي محاولة لتمرير الميزانية، لا يجهل بان العملية السياسية برمتها مبنية على مباديء التوافق بين الرؤوس الكبيرة. هؤلاء هم السلطة التشريعية الحقيقة وهم اصحاب القرار، ومثل الأكمة لهم ما خلفهم. ان ذلك يعني ان البرلمان، وان امتلك صلاحية التصويت على القوانين وتمريرها، الا انها صلاحية شكلية، فالاعضاء يتبعون أوامر رؤسائهم. فمن خالف او شذ عن موقف مالك حزبه، سوف لن يجد من يدافع عنه او قد لا يضمن مقعده في الانتخابات المقبلة. ان مهمة النواب اصبحت لا تتعدى التصديق على ما يتفق عليه رؤسائهم. لذلك يصبح اتهام السيد نوري المالكي للبرلمان لا معنى له، لان الية البرلمان هي الية المحاصصة والتوافق. فاذا اراد السيد المالكي تمرير الموازنة، وهو العارف بالازمات والصراعات التي يمر فيها العراق، فهو احد مسبباتها، كان عليه الحصول على موافقة بقية الاطراف لتمريرها، لا ان يجعل منها ازمة مستفحلة اخرى.
|