ان ما حدث في العراق من تغيرات في صيرورة الدولة المدنية ونشؤها وتطورها خلال القرن الماضي والالفية الثالثة يجب ان يكون محط نظر الدراسين لاستشراف نتائج الديمقراطية على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي لما يشكله العراق من محور اقليمي له تدخلاته المتشابكة مع دول الجوار والدول الكبرى التي تنظر له البلد الاول كمستودع نفطي قادر لتلبية احتياجات العالم المتزايدة رغم وجود الطاقة البدلية وتطورها. وهذا ان الحياة المدنية السياسية في العراق نشاءت في عام 1886 مع تولي مدحت باشا الولاية النائمة وكانت محط الاطماع المغولية الفارسية التركية عبر اربعة قرون واصبحت الان محط الاهتمام الالماني الانكليزي الروسي مع بوادر اكتشاف النفط التي ادت الى الاحتلال الانكليزي للعراق بعد دخول الجنرال مود فاتحا لبغداد 1917 وتشكيل الدولة العراقية الناشئة تحت مسمى 1921 المملكة العراقية التي اكتملت حدودها بعد اتفاقية 1930 ان تطور بناء الحكومة الوليدة وموسستها تحت رعاية بريطانية عبر المستشارين الداعمين للوزراء وهكذا كان الراي انشاء برلمان ومجلس اعيان على الطريقة الانكليزية لمساعدة الحكومة واعطاء شرعية لقرارتها وترسيخ للهوية الوطنية الفعلية التي حصرها الملك فيصل الاول بالسدارة العراقية من الناحية الشكلية حتى تالف فيما بينها من الناحية التفكيرية والسلوكية وهكذا كان التعامل مع مشاكل العشائر والاقليات والاكراد فهذا رئيس وزراء العراق الكردي الاصل نوري السعيد كان دائما العراق نصب عينيه في ترسيخ الديمقراطية المقيدة بالتدريج (الرجعية السلطوية) وهكذا رغم العمليات التجميلية كان الصراع الطبقي هو اللغم الذي يهدد الدولة الناشئة وحتى حدوث ثورة 14 تموز عام 1958 ونشؤ قيادة وطنية حاولت تقليد كمال اتاتورك في تشكيل حكومة وطنية ولكن نفس الصراعات الطبقية أوطرت بصراعات قومية دامية تنفيذا لاجندة خارجية ودولية وهكذا بداء الصراع المتنامي على السلطة دون النظر لحل مشكلة الصراع الطبقي والاثني وقد بداءت بوادر حلول تخديرية في عام 1970 مع تاميم النفط في محاولة لتقليل الفوارق الطبقية وحدة الصراع الطبقي ولكن الاشكاليات في الاستحواذ على السلطة وخوض الحروب بالنيابة جعلت من المشروع عقيما رغم الضغط السلطوي على خنق جميع الاصوات الداعية بالاصلاح وجعل النظام هدفه الاول الاحتفاظ بالسلطة وسحق الشعب تحت نظرية المؤامرة رغم الفذلكة السياسية في انشاء ديمقراطية صورية لاتغني من جوع ولاتسمن من ضعف وحتى بداية الاحتلال الثاني او مايسمى التحرير الثاني بالدبابة الامريكية حاملة راية الديمقراطية المؤطرة الفوضى الخلاقة 2003 حينها ظهرت مشاكل الخوف والاقصاء وعقد الماضي كلها للساحة مرة واحدة مع نقل معركة القاعدة للعراق تحت ذريعة محاربة الكفرة المحتلين الذين دخلوا بلادنا من خلال منافذ حكومة خادم الحرمين وهكذا بدات تجربة جديدة احبطت الكثير من الامال لذلك ترى الطبقة الواعية تترحم على الحكم الملكي والمواطن يترحم على الحكم الديكتاتوري والمطالبة بعودته او خلق صيغة مشابه له من الناحية السلطوية ان الفشل في المشروع الديمقراطي هو ناتج من التطبيق الخاطى والاكتفاء بالصورية الديمقراطية دون مراجعة اسباب الاخاقات والتحديات. ان العقبة الكبرى التي تعترض التغيير النوعي الديمقراطي يكمن في قوة ترسيخ ظاهرة الطائفية السياسية عبر تكريسها فكرا واختيارا من خلال وجود جناحيها تنظيميا في وسط الأغلبية المجتمعية بوساطة تقسيم ماضوي الأسس يقوم على افتعال الاصطراع والتناحر بين مكونين أو أكثر عبر اذرع كثيرة وبمنهجية اعلامية مرسومة الاهداف والنتائج المرجوة وتكثر الهوة عبر تيار الدم المسال للتحول سلوكا غيبيا للنخب والمنظرين والاعلاميين للتحول الى معركة الصراع الطبقي الى صراع فئوي مؤطر بالظلامة التاريخية .. ومالاخطر هو التركيز على توصيف العقبة بنيويا تنظيميا حيث يأسر جناحا الطائفية السياسية جمهورا كبيرا مغيب الوعي تتفشى فيه أمراض الأمية، الجهل والتخلف والحلم بالتغيير لتاخذ هذه الجوانب الثروقراطية مداها الاوسع في دخول المقدس الذي لايمكن تغييره ويعتبر من المحرمات تجاوزه وإلا فإنّ السير خلف عناصر تضخ برامج التخلف وتتسبب في كل هذه التداعيات المرضية لا يمكن أن يوجد عند شخصية تمتلك المعرفة والثقافة ومن ثم إدراك الحقيقة بعد اتضاح الرؤيا وكشف اللعبة بتداعيتها ولكن في هذه المرحلة لنركز على ايجاد التوافقات التي تستطيع تعزيز الهوية الوطنية حتى نستطيع الخروج من النفق المرعب الغارق بالدم حتى الركب كما يقولون. إن الطائفية السياسية تستغل الدين والأعراف والتقاليد لاحتجاز جمهورها مغيب الوعي، ممحي العمق المعرفي مقيدا في الاختيارات..وعلى الطبقة الواعية والمثقفة على ايجاد مقربات لانتخاب الافضل من خلال الانتخاب النوعي حتى ايجاد تفاهمات على الطوائف انتخاب الافضل والاصلح والانزه والاكثر وطنية في التفكير والعمل حتى كسر حواجز الطائفية والشفاء من امراضها ان احدى التحديات التي يواجهها المخاض الديمقراطي واعادة صيرورة الهوية الوطنية هي الانعكاسات التي يعيشها المجتمع من انكسارات وأمراض وأوجاع بلا مَن يعالجها أو يمسح دمعة من طفلة يتيمه فقدت اباها نتيجة الارهاب او ارملة تعيش الضنك نتيجة ترك المعيل لها نتيجة الارهاب او الجرحى او المعاقين الذي تركت الحروب والارهاب والاققتال الطائفي اثارا على اجسادهم تذرهم بالمأساة الدائمية او الجريمة بقتل الاطفال وتفخيخ الموسسات او الاقصاء عن العمل او الحياة والتهجير أو من نهبت من فمه كسرة الخبز أو سرقة الغفوة من عينه أو غرست في قلبه القلق والهلع والخوف من الاخر وكسر حاجز الثقة بالشريك الوطني وتعميم هذا الشك الى صورة جمعية للطائفية وكل ذلك بقصد تعطيل العقل بأغشية التعتيم والتضليل وتلكم هي بعض الأفاعيل وبعض إفرازات برامج القوى صاحبة المشروع التقسيمي المتفق عليها مسبقا تحت الطاولة لمتزيق الوطن والنسيج الوطني وتغيب الهوية الوطنية. وهذه القوى تبقى نافذة لأنها تعتاش على اختلاق اصطراعات مجتمعية تحتمي خلف متاريسها مقدِّمةً الضحايا ممن تجنده بآلياتها من شراء واستعباد وتاثير منبري اعلامي او ديني او سياسي. ان وضع العراق بحاجة الى وضع اليات تصالحية اهمها الاحتكام الى الدستور ومحاولة اصلاح الهفوات القانونية وتعزيز الهوية الوطنية العراقية من خلال ارساء العدالة الاجتماعية الشاملة من خلال التوزيع العادل للثروات وتطبيق النقاط الدستورية للدولة الراعية للمواطنة بتحقيق الامن الانساني وهي الخطوة الاولى للتحرر من الخوف واثار الماضي وبلسم لشفاء ما تركه الزمن من اثار الحروب والاقتتال الطائفي من خلال ايجاد مقومات للتنمية المستدامة التي تجعل المجتمع يرفل بالرفاهية والازدهار. أن احدى وسائل اعاقة نشؤ الديمقراطية وتعميق الوعي في التغيير هي اشاعة ثقافة الخوف والاحباط والفشل من الاصلاح مثل (اشاعة ان العراقيين مايصيرلهم جارة ومايفيدهم الا الحجاج او السوط, هي كوة البلد ما ينصلح حاله. انت من كل عقلك العراق يصير بيه خير او انت قادر على التغيير) هذه من خلال اليات اشاعة الفساد وجعل الشخص الغير مناسب في سلطة القرار الاداري والتنفيذي ومن خلالها سيجري تعطيل الصناعة وتحويل الطبقة العاملة الى بطالة مقنعة عديمة الجدوى اوتخريب الزراعة ووقف الدورة الاقتصادية وإشاعة البطالة والفقر والإغراق في انتشار الظلام حيث الأمية والجهل بمعنى تخريب التعليم وتسفيف الشهادة العلمية واعطاء الدرجة العلمية لكل من هب ودب تحت مسميات متعددة وجعلها عديمة الفائدة وجعل الكليات تخرج جيوش من العاطلين وتهجير الطاقات الابداعية ومحاربتها بكل الوسائل ومحاولة تحجيم دورها وإهمال الصحة العامة والمستشفيات وجعل المواطن يعيش في دوامة الخوف وعدم الثقة بموسسات الدولة كافة وتلويث البيئة واستغلال خطاب ثقافي مرضي تفريقي يهدم النسيج الوطني وتشويه الحقائق ويجاد رقابة سلطوية تمتلك مقومات تعطيلية وسطوة شبه مطلقة على الإعلام وأدواته، سنجد كل ذلك علامات خطيرة للعقبات الموضوعية.. ولكن الادهى من ذلك إذا كان هذا هو بعض العقبات الموضوعية في بعديها الاقتصادي الاجتماعي والسياسي فإن اختلاق سلسلة من المعارك في حلقات متعاقبة متوالدة هي اللعبة ببعدها الموضوعي (السياسي) لمشاغلة الأطراف وإدامة السطو على خياراتها عبر إدامة اختلاق بعبع التهديد والوعيد ولغة الحكم الانفرادي في القرار الأمر الذي يساعدها على التظاهر بكونها الحامي الحارس والضامن للأمن والأمان على الأقل في المرحلة التي تتضبب فيها الصورة ويعلو فيها غبار المعارك المفتعلة الذي يهدر من خلالها مقدرات الشعب وثروته لاعطاء صورة القاء سبب الفشل الكامل في تقديم الخدمات وانعدام الامن على الخصوم والوضع السياسي الاقليمي بدل من معالجة الاخطاء القيادية للعملية السياسية برمتها . ولكن رغم هذه الضبابية لازال الامر بيد المواطن من خلال التصحيح الانتخابي المرتقب او التصحيح الشعبي كما فعلها الاخوة المصريين بشجاعة ووطنية.
|