الحكومة الديموخرافية في الجمهورية العراقية 5 – 5

 

هل تقرر صناديق الاقتراع المعنى الحقيقي للديمقراطية في دول الشرق؟ 

مقدمة أخيرة :

لسنا في معرض الحكم على الفحوى الديمقراطي ولكن للممارسات الخاطئة أو الاستعجال بتطبيق متسرع أو بطريقة عرجاء للديمقراطية في العراق ، قبل نضوج كل الظروف الموضوعية لتطبيقها خاصة في بلد مثل العراق تعاقبت فيه دكتاتوريات متعاقبة منذ العام 1963 وبعد انقلاب 8 شباط الأسود ، وصولا لقمة الدكتاتورية والقمع والتغييب لآلاف المواطنين العراقيين في زمن حكم الدكتاتور صدام حسين حتى لحظة سقوطه المريع يوم 9 نيسان العام 2003 ، وبتدخل أجنبي أدى لاحتلال العراق ، وتخريب ما تبقى من بنى تحتية هزيلة وزيادة في تخريب النفوس والضمائر ، وتشجيع للإرهاب وتسييسه من خلال نظرية " الفوضى الخلاقة " التي طبقها نظام الاحتلال الأمريكي الذي أراد بذلك إحكام سيطرته بالكامل على الوطن العراقي ، وإشباع شهية البعض في السرقات ، إن كان عن طريق الاعتداء على المال العام ، أو التحايل التجاري باستيراد سلع بمواصفات متدنية جدا ورداءة بينة ، أو بنهب ثروات الشعب بتهريب النفط ، والاستيلاء على المردود المالي للمنافذ والمعابر الحدودية ، والكمارك والمكوس ، والسكن العشوائي وسلب مساكن الناس ولا زال البعض للان يعصي ببيوت مواطنين جرى تسفيرهم عن الوطن او هاجروا منه خوفا من سيف الجلاد . وضمن كل ما سبق جرى تطبيق مفتعل لديمقراطية عرجاء اتخذت من صناديق الاقتراع طريقا للوصول للسلطة ، لا خدمة للشعب ، وإنما وفق أهواء قومية أو طائفية متحزبة أصلا لهذا الطرف أو ذاك ، أو ضمن تحزب عشائري طائفي ديني . وبذا أنتجت صناديق الاقتراع العراقية مجالس محلية مشوهة ، وأعضاء برلمان جرت نشاطات معظمهم بين اللصوصية على المال العام ، والرشاوى والفساد المالي والاداري ، والإرهاب المبرمج ، ووقع المواطن العراقي ضحية ممارسته " الديمقراطية" المشوهة ، وجرى الاعتداء عليه " ديمقراطيا " وباسم الديمقراطية . بينما كان من الارجح ان يكون هناك نظام مركزي قوي يقود البلاد لفترة انتقالية حتى وصول الناس للثقافة الديمقراطية ، فالديمقراطية ممارسة حضارية واخلاقية لا اسم على غير مسمى كما نرى الان بأن كل مخالفة يعزوها البعض ضمن الممارسات الديمقراطية .

 

الإخوة الأعداء :

 

سارعت قيادات الأحزاب السياسية العراقية ، وقوى متعددة منها جزء كبير من بقايا وأعوان النظام لإعلان الولاء بعد سقوط النظام الفاشي ، والسعي لجني اكبر حصة من كعكة السلطة ، وشجعت الأحزاب القومية والطائفية المواطنين على الاستيلاء على مساكن المواطنين خاصة الغائبين عن الوطن للظروف السياسية أو للتهجير القسري أو الرسمي ، بعد أن أصبحت هي القدوة في الاستيلاء على مساكن رجال السلطة الفاشية ووضعتها تحت تصرفها ، بدل أن تشكل إدارة خاصة لجرد محتوياتها ، ووضعها تحت إدارة الدولة وهو أول خرق للديمقراطية .

ثم جاءت موافقة الجميع من الأحزاب القومية والطائفية على العمل بنظام المحاصصة القومية والطائفية الذي سنه الاحتلال الأمريكي لتدمير الوطن العراقي ، وجعله مزرعة لتجار الدين والقومية والطائفة من المتسيسين ، بدل أن يفكر الجميع بالاعتماد على العقول العراقية وأصحاب الكفاءات ، والعلماء والتقنيين والفنيين لقيادة الدولة الجديدة ، وبناء دولة المؤسسات . وقد همشت رجالات السنة العرب نفسها وخاصة من بقايا نظام البعث الفاشي وذيوله ، ومن كان بدرجة خادم أو مطيع للنظام ، أو سائس للخيل ، او مربي دجاج وبائع بيض ، وليس " قائد " حزبي كما كان يسمي النظام الفاشي سدنته ومريديه ، لينقضوا من بعد ذلك وبكل شهية عمياء على التهام كعكة السلطة الدسمة شراكة مع

" إخوتهم الأعداء " ، وجرى تقاسم غير متكافئ للسلطة بين الأطراف الرئيسية الثلاثة الشيعة والسنة العرب والأكراد . ووجدت الأكثرية الغالبة من الشيعة العرب نفسها مهمشة تماما ، بينما جرت عادة الناس بدمغها بقيادة السلطة ، خاصة الأغلبية العظمى من الأكاديميين والعلماء والتقنيين والفنيين الذين لم يجدوا لهم مكانا داخل السلطة الجديدة إن لم يكونوا من هذا الطرف أو ذاك . وحتى حزب الطليعة الشعبية وهو الحزب الشيوعي العراقي ، قرب النار فقط لجانب " كرصة " قائدة ومن معه وسيطروا على بعض ما وصلهم من مراكز ومقعدين برلمانيين وفق مقولة " من كل حسب شطارتة ولكل حسب اسبقيتة " نقصد هنا في " اللغف " ، وبقيت جماهيره ومناضليه القدماء متفرجين بعد أن حصدوا الحصرم جراء سنين نضالهم ومعاناتهم في المطاردة والسجون طوال العهود العراقية السابقة .

 

الدستور الإلعوبة :

 

وأسوء ما سنه نظام المحاصصة السئ الصيت الذي أراده الاحتلال الأمريكي هو سن دستور مشوه يحمل نفس النفس الديمقراطي المشوه ، وقيد حركة وصلاحية رئاسة مجلس الوزراء ، وربطها ببرلمان معوق ومعطل للقوانين ، ومحرك فقط لمآربه ومغانمه الخاصة بعيدا عن مصالح الشعب ومطالبه الملحة والعديدة ، بحيث إن المحاصصة والشراكة شلت رئيس الحكومة عن محاسبة العديد من لصوص المال العام والمرتشين ودعاة الإرهاب ومسانديه من النواب والوزراء وكبار المسؤولين . وتركت تصريحات محافظين أو حتى البعض من هم بدرجة قائمقام أو مدير ناحية رئيس الحكومة أو وزراءه في أوضاع حرجه لعدم انصياعهم للأوامر العليا الصادرة بحقهم ، ووصل العصيان وخيانة الوطن بأحدهم وهو مدير ناحية بأنه رفع علم قومي للإقليم على مقر مديرية ناحيتة بدلا عن العلم الوطني العراقي ، ولم ينصاع للأوامر بإنزاله . ثم لاحظنا ما حصل من خرق لكل الأعراف والقوانين التي تنظم أي تظاهرة أو اعتصام والتي يجب أن تحدد كما في كل دول العالم بمكان وزمن معين ، لكن ما حصل إن أطراف مبرمجة من الخارج قطعت الطرقات وأشاعت الفوضى ، وآوت أساطين الإرهابيين ، وجرت استعراضات للإرهابيين بأسلحتهم المختلفة ودون اكتراث للدولة والقانون بحجة التظاهر . وسيطر رهط معروف على نفط الإقليم وأصبح " خرجية جيب " لهذا الرهط علاوة على ما نهب من موارد المعابر والمنافذ الحدودية ، وواردات الكمارك والمكوس والضرائب المحلية .

وقانون انتخابي أعطى ضمن بنوده حصانة مطلقة للنائب بحيث تعذر على الحكومة محاسبة أي نائب ضمن الدورة الانتخابية رغم توفر كل الدلائل التي تدينه إن كان بالاحتيال ، أو استغلال المال العام ، أو ممارسة الإرهاب وتشجيعه . بحيث حضر العديد من النواب لقاءات ومؤتمرات جمعتهم مع إرهابيين معروفين كما جرى من مشاركة النائب السابق والإرهابي الشهير عدنان الدليمي في مؤتمر اسطنبول الذي أرسى للحروب الطائفية في المنطقة وحرب سوريا الطائفية الحالية شاهد على ذلك ، ولا زال هذا الارهابي يتمتع باموال العراقيين هو ابنته اسماء بموجب قانون تقاعد البرلمانيين. ومؤتمر بروكسل الأخير أيضا جعل المواطن البسيط يسال كيف لمن يستعمل لغة ممثل الشعب أن يطعن به، وكيف سافر وعاد ومن أي منفذ " ممثلو الشعب " لبروكسل من دون محاسبة تذكر؟ . ولم غض مجلس النواب الطرف وبإصرار ومخالفة صريحة للدستور عن الامتناع عن رفع الحصانة النيابية عن 13 نائبا ، وعدم سماع أصوات الرأي العام ودون أي اكتراث للدستور لان لا قانون دولي في العالم أعطى مثل هذه الحصانة المطلقة لنوابه عدا القانون العراقي المشوه لاسم ومعنى الديمقراطية ؟ .

 

لعبة خيال الظل:

 

خيال الظل أو مسرح الدمى المتحركة التي يحركها شخص متخصص بهذا الفن من وراء ستار بعصا كما بدأ استخدام فن خيال الظل ، وتطور لتحريكها بواسطة خيوط مربوطة بها ويحركها المتخصص بفن خيال الظل من بعد ذلك. وديمقراطية العراق الجديد التي حوت سياسيين الكثير منهم لا يستحق أن نطلق عليه حتى سياسي الصدفة لضحالة تفكيره وقلة حيلته ، وعمق طائفيته . وهؤلاء المتسيسين كما يجب أن يطلق عليهم هم من يحركهم المتخصص بفن خيال الظل من وراء ستار بعد أن حشرهم داخل العملية السياسية لتشكيل نسيج غير متجانس من سياسيي الصدفة في دولة لم تصدق أكثرية شعبها إنها تخلصت من ازلام نظام فاشي عنصري أذاقوهم الويل وعرضوهم لصنوف شتى من العذاب ، وكان معظمهم خاصة ممن دخل ضمن الأحزاب والتيارات الطائفية الشيعية والسنية هم أنفسهم من خرجوا من الباب وعادوا مرة أخرى إليه بوجوههم الكالحة من الشباك باسم " الحكومة الديموخرافية " .

والأكثر غرابة تشكيلة مجلس النواب التي تضم في داخلها العديد ممن يحسب ضمن النطيحة والمتردية . ورئيس مجلس يتحرك وفق أوامر تركية عليا تأتي من واشنطن ، ويجبره الحنين لأصله الطوراني أن ينصاع رضي أو لم يرض بما تأمره حكومة الميت التركية ورئيسها رجب طيب اردوكان المرشح لاحقا للإعدام كسابقه عدنان مندرس لمخالفاتة الدستورية ، ومشاركاتة في دعم الإرهاب وتوجيهه .

لذلك بقيت معظم القوانين التي تهم جمهرة كبيرة من أبناء الشعب العراقي داخل أدراج مكتب رئيس البرلمان المقفل عليها ، وبقيت الأوامر القضائية الصادرة برفع الحصانة عن 13 نائبا مختفية داخل أدراج مكتبة لحد اليوم . وعندما قدم قانون التقاعد الموحد للمناقشة داخل المجلس فوجئ الجميع بإضافة الفقرتين 37 و 38 والتي تخص ( رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ونوابهم واعضاء مجلس النواب والوزراء ومن هم بدرجتهم واعضاء مجلس الحكم ومناوبيهم وأعضاء المجلس الوطني المؤقت ورئيس واعضاء الجمعيه الوطنيه ووكلاء الوزارات ومن بدرجتهم ومن يتقاضى راتب وكيل وزاره والمستشارين وأصحاب الدرجات الخاصة ومن بدرجة مدير عام ومن يتقاضى راتب مدير عام ) . وعند ظهور القانون للعلن بدا كل يتنصل من هاتين الفقرتين كل حسب تبريره للموقف الذي وقع فيه ، لكن الجميع نافق وكذب ، واظهر العديد من المسؤولين والنواب دجلهم وكذبهم بصورة جلية وواضحة .. لكن ضمن الحقيقة المرة وهي ضمن لعبة " الديموخرافية العراقية " الجديدة .

 

خاتمة لا بد منها:

 

وانتظارا للانتخابات البرلمانية المقبلة ، والدعاية المهولة لها منذ الآن يسأل جميع أبناء الشعب العراقي عما ستسفر عنه الانتخابات المقبلة ، ولماذا لا تجرى بالتزكية لان الجميع ممن هو ضمن اللعبة يعاود اللعب من جديد فما فائدة الخسائر المالية الجسيمة ، وضياع الوقت في انتخابات صورية جديدة تتحكم بها الطائفة والعشيرة ، وهل سيتم تغيير ملموس في حالة تشابك الوضع السياسي العراقي وتأزمه ، وخوض نفس القوى مع تغيير طفيف لا يذكر نفس المراثون الانتخابي، ولنفس الشخوص مع تنقلات بسيطة تشبه الى حد ما تنقلات احجار الشطرنج وكما يريدها الشخص المتمرس والجالس خلف ستارة خيال الظل ووفق تكتيك رسمه في بيته الأبيض بواشنطن ؟ . وستعود نفس الاسطوانة المشروخة تعزف باسم الشعب ، وتدور رحى السياسة والحرب الطائفية طاحنة أبناء الشعب وخاصة من محلاتة الفقيرة ، وبلداته البعيدة المتهمة دائما بصبغتها الشيعية ، وهي الحرب الاستمرارية التي كانت بدايتها معركة حرب الجمل في العام 36 الهجري ، مرورا بفاجعة كربلاء في العام 61 الهجري لحد اليوم ، وكل القضية تتلخص بكم كلمة فقط لان ( سيدنا الزبير وسيدنا طلحة حاربا سيدنا علي رضي الله عنهم جميعا ) ، وكذلك حدث من بعد ذلك إن ( سيدنا يزيد حارب سيدنا الحسين وقتلة رضي الله عنهما ) ، والجميع في الجنة ، وبذلك سوف لن نختلف عما يحصل في البرلمان الحالي والقادم لان الجميع مواطنون عراقيون ولهم الحق في التمتع بما أغدقته لعبة " الديموخرافية العراقية " عليهم ، وبذلك لا " فرق مطلقا " في كل الامتيازات التي سوف يحصل عليها المسئولين الكبار ونواب " الشعب " ، وبين ابن الشعب العادي وخاصة ممن كان له قصب السبق في النضال ضد الدكتاتوريات المتعاقبة ، أو من أهل العلم والكفاءة والأفضل لهم أن يبقوا بعيدا على التل يراقبون السلطة وأهلها وهو ما يريده ويفضل ذلك الجالس خلف ستارة خيال الظل الذي يحرك بأصابعه الدمى ، وكل انتخابات وانتم بخير.

 

أخر المطاف :

 

في صبيحة يوم العاشر من محرم الحرام العام 61 هجري ، ارتفعت صرخة إنسانية لأبي الشهداء الحسين حينما رددت أصداء صوته ربى كربلاء وهو يصرخ بأعلى صوتة : " إن لم تكونوا عربا أو مسلمين فكونوا أحرارا في دنياكم " .