المالكي بين صناعة الأزمات السياسية وبناء الأسس الدكتاتورية


علم النفس السياسي كمجال أكاديمي قائم على فهم السياسة والسياسيين والسلوك السياسي من منظور نفسي يوصف لنا الدكتاتور أو الحاكم المستبد كشخص مريض يري نفسه فوق الناس ، معتبرا نفسه أعلمهم وأفهمهم والناس رعيته وجنده ، يقوم بإستغلال حاجتهم ليلبي حاجته. هدفه هو قولبة الشعب لإطاعته بأفواه مفتوحة أمام كلماته العبقرية المصبوغة بالديماغوغية. والدكتاتور حاكم يملي أفعاله علي الغير ، بإعتبار أقواله وأفعاله نبوغ و إبداع والهام ، ليبرهن سلطته المطلقة ، التي لا تقيده قيود قانونية أو دستورية أو عرفية.
نحن نعرف أيضاً بأن جبن الشعب وميله الي الركون والإنزواء الي الراحة وطلب الأمان علي المجاهرة بالعدل والحق والوقوف في وجه المستبد وأعوانه و بطانته هو الذي يخلق الدكتاتور والشخص المستبد ، الذي يدعي فهم التعليم والسياسة والإقتصاد و الثقافة والأخلاق والأمن.
بالأمس سمعنا المالكي في كلمته الاسبوعية وهو يخاطب البرلمان العراقي بلغة التهديد والوعيد قائلاً بأن "البرلمان ورئيسە خرجوا عن الدستور بتعطيلهم إقرار القوانين" ، لذا يسحب الشرعية عنه. هذا الخطاب يضمن في طياته تدخل في عمل البرلمان ، يعتبره المراقبون السياسيون في المنطقة وأوربا خطوة تمهيدية مكشوفة بإتجاه الدكتاتورية والإستبدادية وضربة قاضية للعملية السياسية في العراق.
أما سياسته العدوانية تجاه شعب كوردستان وتهديداته المستمرة وقيامه بقطع وإيقاف رواتب موظفي إقليم كوردستان فهي من نظر القيادة الكوردستانية بمثابة حرب علي الشعب الكوردستاني وتراجع في المسار الديمقراطي والنظام الإتحادي ومحاولة مكشوفة لهدم التجربة الكوردستانية كسر إرادة شعب كوردستان و سعي في جر العملية السياسية الي الطريق المسدود.
سياسة المالكي أو معتقده الإصطفائي يحمل في طياته نظرية ولاية الفقيه فهو يري بأن برنامجه الحزبي أو نصه المقدّس بعد القيام بعسكرة المجتمع وتخصيص ميزانية ضخمة لوزارتي الدفاع والداخلية إذا طبّق فسوف يأتي بالفرج والسعادة لكافة العراقيين وهكذا يطغي المحتوي السلفي الإرتدادي علي البعد التنويري والمستقبلي وعقلية الإستبعاد والإقصاء علي لغة الإعتراف والشراكة والتبادل و المآل هو فشل صناعة الحضارة و ممارسة القوة الهادئة.
أما فيما يرتبط بالحملات الإعلامية الأخيرة التي يقودها السيد المالكي بمساعدة مستشاريه البعثيين القدامي ضد إقليم حكومة كوردستان وبالأخص سعيهم لتعبئة الرأي العام العراقي ضد رئيس الإقليم بغية تحجيم دور الإقليم فهي تحولات سلبية تهدف العودة الي ترويض الأفكار و تهيئة الأذهان نحو السبات القومي و الحصون الدينية. هذه التحولات جرّبت في الماضي و كانت محصلتها قيادة حروب ضد شعب كوردستان المسالم و شعوب دول الجوار وصناعة جمهورية الخوف بنهاياتها الكارثية.
نقول في هذا العصر الرقمي المعلوماتي بمعطياته الجديدة و بعد كل هذه التغييرات التي طرأت في العالم العربي و نهوض شعوب المنطقة ضد الحكومات المركزية المستبدة لا يمكن للشعب الكوردستاني أن يقبل بأن يحكمه طغاة كما في السابق يطلون الطغيان برأسهم كلما سنحت لهم الظروف. القيادة الكوردستانية تسعي اليوم في سبيل ترشيد السلطة في العراق وعقلنتها وطرد القوقعة الإصطفائية فيها تلك القوقعة التي تخفي في أعماقها أسرار إحتكار السلطة وممارسة الوكالة الحصرية لأنها تدرك كل الإدراك بأن فيها تكمن الضمانة المثلي من الجور والتعسف و التعريب والتهجير و الأنفلة. فالحكومات التي لا تنزع الي السلم مع كوردستان والي المصلحة العامة في العراق تبقي حكومات أمر واقع أي غير شرعية ظالمة مغتصبة هدفها تذويب المواطنين في ما يشبه بالقطيع بعد ممارسة الرفض والإقصاء ضدهم بهدف إستئصالهم مادياً و إلغاءهم رمزياً ، أما إقليم كوردستان فيري بأنه في عصر تدويل الديمقراطية والإعتراف بحق الشعوب المتساوي في تقرير المصير لا مكان لعقليات وحكومات تقوم بالحملة التبشيرية من أجل المركزية وسوف يكون له بسبب هذه السياسات الشوفينية فصل المقال.
وختاما نقول: إن قولبة و تدجين و تعبئة و عسكرة المجتمع لا تعود بالنفع علي البلاد والعباد و لا يمكن أن يكون هاجس الحفاظ علي الولاية والسلطة أولي من الحقيقة والعدالة.