سُرّ ما خَطرْ!!(31 , 32)..بقلم/ د. صادق السامرائي

 

 

 

 

 

 

 

- 31 -

النهر يتفاعل مع المدّ العاتي

فتنطلق الأمواج هادرة متدفقة الأخطار

وفي مدينة الضفة الشمخاء

فقدَ (فكتور هوجو) إبنته وخطيبها

بعد أن إبتلعتهما موجة عالية

فغابوا بلا أثر

أيها النهر الخلاب

هكذا أنجبتَ هوجو قصائد اللوعة

وأفرغته من مفردات الإبداع القصوى

وجعلته شاديا مغردا مدى العمر

أيها النهر

إنك تستولد الأحياء أعمق ما فيها

وأوضح ما تحويه من لذائذ المفردات

وروائع المعاني والعبارات

أيها النهر

كيف تجعل النوارس تحتفل بأمواجك الصاخبة

وتيار لحنك الوثاب الدافق بالأفكار

والرؤى والخواطر والتبدلات

أيها النهر الأصيل

ضفافك ذات بريق حياة وأضواء شهيق

يستجمع سلاف الأحلام

ويجدد الأماني ويتمثلها فيطلقها

وكأنها عبق النسيم الشافي من آهات الأيام

أيها النهر

إن الأطيار ترتل آيات وجودك

وتصلي في محراب ضفافك

وتترنم بأناشيد أمواجك

وتهتف بحياتك الخالدة في ضمير الإنسان والأكوان

أيها النهر

أحيّ نداءك الحضاري المعاصر المتجدد

والإنسان الذي أدرك ما فيك

وفك رموز أبجديات إنطلاقك البديع

 

أيها النهر

أبكاني دجلة

وأنا أحاول أن أجد أثرا للصبى

وصخرة ذات صدى

فما عثرت على أمل!

- 32-

أجلس في المكان الذي كان "مونيه"

يتأمل فيه الأفق

على ضفاف نهر السين الساحرة

حيث الغيوم تنضو حلتها

وترتدي أزياء الضوء ذات الأطياف البراقة

فينقلها على لوحاته

ليرسم تحفة الإبداع

هنا كان "مونيه" يتمثل السماء

ويقرأ أبجديات الغيوم

الرمادية , البنفسجية , السمراء , الحمراء

الشقراء , الزرقاء ذات الإنعكاساب المنسكبة

على جدائل الأشجار

أقف في ذات المكان

وأحاول أن أستحضر فكرة الضوء واللون والموج والتيار

أحاول أن استولدها خلاصة

ذات قيمة ومعنى وحضور

أنظر الأمواج والأطيار والضفاف المتضاحكة

المتفاعلة مع الأمواج

الساحرة الإبتسامات

أنظرها

أقرؤها

وأجتهد في فك رموز صورها

ومعاني تجمعاتها وتواصلها نحو آفاق العلاء

"مونيه"!!

نعم أعشق الضفاف والغيوم

وقد عهدتها مزهوة بهية

مترنمة بأناشيد الحياة

في مدينتنا المتأهبة للنداء

والمتطلعة بقامتها الملتوية الشماء

لإختراق أعماق الأكوان

وتوطن رحاب السماء

تلك الضفاف التي نحتتها الطبيعة

ورصّعتها بأروع الصور

في كهفها القاطول

الذي تصدح في ربوعه روح التأريخ

وعزيمة الإرادة

والإصرار على الشموخ

الحضاري الفريد!!