حافات المكونات الاجتماعية، الطائفية والقومية والعقائدية، تتصادم في ما بينها من خلال الاستقطاب الشامل الذي يبدأ سياسيا، محدودا، ليتسع على سطح الاحداث، في تشابك تدميري يستمد وقوده من افكار التطرف والغلو ونعرات الاقصاء والازاحة والتكفير. علينا ان نوضح ذلك بالقول ان كل حالة مجتمعية، طائفية مثلا، تفرز في خلال تأكيد نفسها، والصراعات التي تخوضها، شرائح ونعرات متطرفة، سرعان ما تتشابك مع نظيراتها في الحالات الاخرى. وهذا ما يحدث في وضعنا الطائفي إذ نتابع وقائع مجابهات وتعبئة طائفية منهجية تتولى تجهيزها حافات من الجانبين، ويكون السلاح اداة المجابهة التي تبدأ كإظهار للحق، وتنتهي الى استخدام القوة والسلاح لقهر الآخر، والى محوه تماما. الحافات مصطلح جيولوجي يشار به الى نهايات “الاطباق” الارضية، وقد لاحظ الخبراء انها تتصادم في ما بينها خلال حراك تنظمه الطبيعة طبقا لقانون “الاطباق التكوينية” الذي يحلل به الجيولوجيون ظواهر التصادم بين تلك الحافات. اما في اللغة، فان “الحافة” هي “الناحية أو الجانب” وجمعها حافات، ومن مشتقاتها “حافّين” كما جاء في سورة “الزمر” آية 75.. “وَترَى الْمَلَائكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ” وتأتي “الحافّة” في بعض قواميس اللغة بمعنى “الشدة في العيش” او للاشارة الى وضع “مزعج أو غير ثابت” فعلى حافة الخراب يعني “يكاد الخراب ينزل باهل البلاد” وفي السياسة واخبارها ترد عبارة “حافة الهاوية” بقصد التنويه الى خطر الوصول في أزمات العلاقات الدوليّة إلى حافَة الحرب. غير ان للحافات نقائض، تتولى صد او ردع التطرف وتتمثل في الاعتدال المعرّف، في المجتمع والجيولوجيا، على انه يحمي النوع من منزلق الهاوية، فلا اعتدال من دون تصدٍ للااعتدال، ومن دون مواجهة منهجية للغلو والتشدد والمبالغة والتخندق، لكن الخطورة هنا تتمثل في تبسيط او تشويه مفاهيم وخيارات الاعتدال والوسطية، وفي الاساءة لها، وتضليل وعي الجمهور ازاءها، في وقت تتبلور، اكثر فاكثر، الحاجة الى فاعليات واطر حقيقية معتدلة وذي تأثير في مسار الاحداث، بل ان انقاذ الوضع من حروب الحافات يقع الان، ومن زوايا عديدة، على عاتق المعتدلين وقوى الوسط والديمقراطية الحقة في الساحة السياسية، بعد ان استنفذ المتشددون، من كل الالوان، امكانياتهم وطاقاتهم، وتخبطوا في مواقفهم، واوصلوا العراك الى مشارف الحرب الاهلية المفتوحة. وبكلمة اكثر ايجازا، فانه لا اعتدال من غير منهج يستهدف دحر الحافات المتطرفة بمختلف عناوينها، المكشوفة والمستورة.. وما بين المنزلتين.
“ إذا كان رأسك من شمع فلا تلوم الشمس” أحمد شوقي
|