دولة القانون: سياسة الهجوم وتصيد الاخطاء

ان اقرب الاحتمالات لتفسير الاسلوب الهجومي الذي تتبعه دولة القانون للاضرار بخصومها او منافسيها في عداد التحضير لحملتها الانتخابية، هي انها تراهن على حصد اغلبية الاصوات في الانتخابات التشريعية القادمة، مما يمكنها من تشكيل حكومة اغلبية عددية قد تكون بـالتحالف مع احزاب وكتل صغيرة ليس من بينها حلفاء الامس خصوم اليوم كـ التيار الصدري والمجلس الاعلى الاسلامي.
الملفت في هجوم دولة القانون على الخصوم هو التركيز على انتقاد الجوانب الشخصية وتجنب انتقاد المواقف السياسة، وهذا ما اسماه السيد عمار الحكيم صاحب المجلس الاعلى الاسلامي بالتسقيط السياسي غامزا الى الاسلوب غير اللائق الذي استخدمه السيد المالكي في اجابته على سؤال لفضائية 24 الفرنسية يتعلق بالسيد مقتدى الصدر.
لكن كيف لدولة القانون الاعتقاد بالفوز بالانتخابات المقبلة وبالاغلبية مع ان كل الشواهد تدل على فشل ذريع في كافة المهمات التي كان على الحكومة تنفيذها؟!
اذ من الصعب الاشارة الى نجاح واحد حققته حكومة المالكي لا على الصعيد السياسي ولا على الصعيد الاقتصادي ولا على صعيد مكافحة الارهاب ولا على الصعيد الاجتماعي.
فالمواقف السياسة متباينة ومتضاربة حول الارهاب وحول الموقف من سوريا والسعودية وتركيا وايران والكويت ولم تستطع دولة القانون جمع الفرقاء السياسين في موقف يوحد السياسة الخارجية.
ومن الناحية الاقتصادية، لم تحقق الحكومة اي تقدم ملموس في توزيع الثروة بشكل عادل، وبقى غياب العدالة الاجتماعية مؤشر يدل على احتقان شعبي كبير وغضب شديد من سيطرة الطفيليين والسياسيين الطارئين على ثروة العراق النفطية وتجيرها لخدمة اهدافهم الشخصية واغراضهم الحزبية. وظل العراق رغم مرور عشر سنين على التغيير دولة تعتمد على تصدير النفط فقط.
ولم تنجح الحكومة ايضا في احداث نوع من الانسجام الاجتماعي بين المواطنين بعيدا عن انتمائات الطائفة والمذهب، العكس هو الصحيح، اذ ان المظاهر الطائفية يحتفى بها وتعلن ايامها عطل رسمية. وقد جاء قانون الاحوال الشخصية الجعفري لتكريس الطائفية وتشريع نكاح القاصرات واعتبار المراة ناقصة عقل ودين.
ولعل اكثر وجوه الفشل اتضاحا هو الفشل في مجابهة الارهاب والقضاء عليه. لقد اراد السيد المالكي ان تكون ورقة القضاء على الارهاب ورقة انتخابية رابحة بيده، فالأمن هو اكثر ما يحتاجه المواطن العراقي والمستثمر الاجنبي، انه يمثل الثقة بالمستقبل، ويبدو ان الارهابيين عرفوا نية المالكي لذلك ارادوا تمزيق ورقته الانتخابية فازادوا من عملياتهم وتحركاتهم الارهابية فقد شملت وامتدت في مناطق واسعة، الانبار وديالى والموصل وصلاح الدين وبغداد والحلة وغيرها.
على الاغلب ان دولة القانون تعتقد ان الاثارات المذهبية والطائفية والقومية تؤثر عاطفيا على اتجاهات المواطنين الانتخابية، معتمدة على سياسة تصيد اخطاء الاخرين وتضخيمها واعطائها حجم اكبر من حجمها الحقيقي، كتلك تلك الحملة الهوجاء التي جوبه بها عمار الحكيم في مبادرته الساذجة المعنونة انبارنا الصامدة.
ان سياسة دولة القانون تعتمد على الاعتقاد بان الهجوم افضل من الدفاع وليس احسن انواعه فقط. دولة القانون تحاول اجبار الاحزاب والكتل المنافسة بالانشغال بالدفاع عن اخطاءها واضعاف اسلحتها الهجومية.
واذا كان كل هجوم سينقلب الى دفاع، فان مرحلة الدفاع، وكما تعتقد دولة القانون، ستكون بعد الفوز بالسلطة للمرة الثالثة.
لكننا لا نعتقد ان الناخب العراقي وبعد كل هذه السنين العجاف، الذي لولا فساد العملية السياسية وفساد المسئولين عليها لكان العراق من اكثر الدول تطورا، لا يمكن ان ينخدع ثانية وينتخب نفس الاحزاب ونفس الوجوه التي مجرد رؤيتها صباحا يتسبب في قطع الرزق.