عبعوب لم يخطئ , فقط تكلّم بلسان الكبار

من المؤكّد بغداد ليست "دبي" , ودعونا عن نيويورك الآن , فلا وجه للمقارنة بين الاهتمام بالخدمات العالية المستوى والعصريّة بمعنى الكلمة تناله دبي مع ضيق إلى أقصى حدّ من الفساد ولا نقول انعدامه فيها , وبين "الاهتمام" بخدمات بغداد من قبل المسؤولين عنها منذ 11 سنة , كما وهنا يستوجب علينا التطرّق إلى ظاهرة جديدة انتهجها مؤخّراً, المسؤولين لدينا , وكأنّه "تعميم حزبي" استوجب تنفيذهم له عند إجراءهم المقابلات الصحفيّة أو الفضائيّة ألا وهو نهج الكذب والإصرار عليه لدرجة العناد فيه مع اتّباع أسلوب "الملاسنة" إن اضطرّ "الضيف" إلى ذلك وهو يجيب على أسئلة مضيفه , المهم عدم إفساح المجال للمحاور أو صاحب اللقاء أو إعطائه أيّة فرصة أو مجال لتنفيذ برنامجه المعتمد أساساً على توجيه أسئلة معتادة مليئة بالأدلّة للمسؤول الضيف , برزت هذه الظاهرة بوضوح شديد , بعد أن كانوا قبلاً أحدهم "يتبلعم" أو يتلعثم إذا ما قدّم أمامه وأمام المشاهدين دليل إدانته بالملموس , في مسألة "بسكويت وزارة التربية والتعليم" حين دافع مدير عام في الوزارة عن نفسه وعن وزارته بكلّ صلافة ووقاحة مليئتان بالتلاعب بالألفاظ أمام واقع أدلّة تدينه وتدين وزيره , واليوم السيّد الحاج عبعوب يتّبع نفس النهج والأسلوب "عسى الله أن يتلقّى شرّها قوى التحالف الغربي مع الدينسزياسي ويرينا فيهم يوم كيوم عاد وثمود عندما دفعوا على العراق هؤلاء الملالي الجهلة بما جعلونا نشفق عليهم ونشفق على أنفسنا ونشفق على مدن العراق ونشفق على عاصمتنا الحبيبة الرائعة بغداد" , وعلى ذكر "الرائعة" , فبرأيي لم يخطئ السيّد عبعوب عندما قال : "بغداد اليوم ماضياً وحاضاً ومستقبلاً أجمل من دبي ! ونركّز هنا على "حاضراً" بما وصف عاصمتنا السيّد عبعوب قائلاً "أجمل من دبي حاليّاً" , فهو برأيي صادق ! , نعم صدق , لكنّه صدق هو السيّد عبعوب لم يستوعبه فقط "طار به" ما أن "سمعه" , أمّا لماذا بغداد "أجمل من دبي" أو "أجمل من نيويورك" فلم يعيها ! فقط "دهدرها" مثلما نقول بالدارج , ولكنّني استشففت من ثقته العالية بنفسه وهو ينطقها أمام محاوره رغم أنّ وصفه بدا غريباً على محيّاه وهو يلقيها بوجه المحاور وبوجوه المشاهدين ؛ أنّ السيّد عبعوب , ولكثرة لقاءاته بالفنّانين التشكيليين وبالأدباء العراقيين وبالنخبة من المثقّفين بناء على نصائح من جهات معيّنة على ما يبدو لتدارك ما يمكن أن يخرجه من جوقة مسؤولي الصدفة بغية إرساء بغداد على جملة مشاريع فنّيّة أو عمرانيّة تليق بها "ليبيّض" صفحة السيّد المالكي , وبحسّه الفطري اهتدى السيّد عبعوب إلى من ينتشله من الانزلاق بوظيفته إلى الهاوية كبقيّة جوقة العمليّة السياسيّة الدنيئة فلجأ لأعيان العراقيين هؤلاء , خاصّة وقد ذكر قبل سنتين تقريباً في لقاء متلفز أنّه هو من أقنع الفنّان العراقي الراحل محمّد غني حكمت وهو في مكان إقامته في الأردن على تنفيذ مشاريع فنّيّة للعاصمة , وقد نجح في إقناع المرحوم , لكنّ نجاحه فيها وفي غيرها كان نجاح سطحي على ما يبدو , أو مُستعجل لم يستوعب أو يهضم معاني عميقة لما تعنيه أشياء تقال أحياناً عكس ما هو مشاع ومتوقّع ينبهر لها الإنسان البسيط بينما يتدبّرها قانعاً من يعي ما يستمع جيّداً وهؤلاء من المؤكّد من سمعها منهم السيّد عبعوب "بغداد أجمل من دبيّ وبما لا يقاس" , حتّى العمل الفنّي في ساحة الاندلس للنحّات المرحوم لم يكن بالمستوى المطلوب وهو دليل على الاستعجال الّذي ركب بعض المسؤولين ممّن حرّكهم ضميرهم بعض الشيء كالسيّد عبعوب , وما درى السيّد عبعوب أنّ تحمّل مسؤوليّة عاصمة بثقل بغداد من الصعب تحمّلها ولا يستطيعها لا هو ولا جميع أعضاء العمليّة السياسيّة الّذين ألقاهم الغرب على صدورنا وصعب عليه جدّاً حتّى وإن توافرت لديه النيّة الصادقة , فبغداد "لوحة فنّيّة" بحدّ ذاتها لا يدانيها في الجمال أيّة "لوحة" من مدينة عريقة مهما عمق بها التأريخ , وهي هكذا بما نراها اليوم , نقشت على سطحها "الرامبرانتي" زمن فوق زمن جميع أنواع فنون العالم فاقت أعداد النقوش الّتي حفرت سطح وذاكرة دمشق أو القاهرة , تبدو دبيّ , للمتذوّق والمثقّف والخبير" وقد رُسمت بريشة تشكيلي معاصر لا زال في بداية مشواره الفنّي منبهر بالاختراعات وب"الأكشن" وصلابة الخطوط المستقيمة وانحناءاتها الحداثويّة المفاجئة أو انكساراتها العبثويّة ينقصه الكثير من "العمق الموضوعي" , فشجرة "نبگة" من أشجار نبقات باب الشرجي مثلاً , وسط بغداد , تعادل معناها القيمي والموضوعي والمتماهي مع تاريخ بغداد من الجذر إلى الجذر لا يوازي هيبتها و"عمق" وجودها في "المضمون" وفي "الحوار" ولو "بالحواشي أو التذييل" أفضل ساحات دبيّ تصميماً ومعماراً وتشكيلاً ولو بخبرات "زهى حديد" نفسها , فعلى الأقلّ للماضي نكهته فما بالك بماضي بغداد !.. لقد نطقها السيّد عبعوب وهو واثق ثقة عمياء ثقته بعقله الباطني بالعراقي العميق  الّذي لولا "الصدفة" لم يفصح له بالحقيقة أو يلتقيه ولو لقاءاً عابراً لابتعاد "مسكنه" عن مساكن متذوّقي سفر بغداد الهادئ العميق , فلو راكموا عليها جميع نفايات العالم فستبقى بغداد حسناء من الجنّة بملابس رثّة يزيدها فتنة , عيونها عيون المها تجلب الهوى بين الرصافة والجسرِ ترمي سهامها عاشقها من حيث يدري ولا يدري ..