لا تتفاجأ، وانت في العراق، ان تظهر لك الحكومة في اشكال مختلفة، ولاينبغي ان تصاب بالهلع حين تقرأ لافتة محمية من الحكومة، كانت الحكومة نفسها قضت برفعها علنا.. كيف؟.. اذا سألت عن السبب ستدخل في متاهة الرد والبدل، وقد تسمع كلاما من حراس اللافتة الحكومية ضد الحكومة، قلت، انت في العراق. وغير هذا، قد يكون متوقعا ان تقوم جهة لا حكومية ولا علاقة لها بالعملية السياسية، بإعلان الحرب على دولة من الدول والتجييش عليها، او إعلان التحالف مع طرف اقليمي ودولي وتبني مواقفه، او التلويح بعقوبات تطال جهات او شرائح او شعوب، وقد يحدث ان تقوم جهة مطلوبة للقضاء ومتمردة على القانون وبعيدة عن الحكومة او مناهضة لها باصدار فرمانات بتنظيم العلاقات بين المواطنين وتوجيهات ذات خصوصيات ادارية وتعيين خطوط حمراء في ممارسة الحريات وحقوق التنقل والملبس والسفر والتدخل في شؤون ادارية ودبلوماسية وعسكرية هي من صلاحيات الحكومة حصرا. لكن الغرابة تتمثل في ان جهات وشخصيات محسوبة على الحكومة وتدير خواصر كثيرة وخطيرة من شبكاتها وسياساتها وتساهم في وضع خططها وخياراتها تتصرف، من جهة اخرى، كحكومات مستقلة تماما في التعامل مع الدول الاخرى ومع ملفات محلية واقليمية حساسة تدخل في قوام وظائف الحكومة، ومن بين اهم اختصاصاتها، حتى ان المراقب يجد في نفسه حيرة في تعيين اي من هذه المواقف هي سياسة الحكومة، واي منها يحسب على معارضيها او خصومها او اعدائها الالداء. وإلا لماذا يجري السكوت على تصرفات ادارية وتعيينات وتوظيفات “وحتى اقصاء وفصل” هي شؤون حكومية لكنها تشرّع وتنفذ من قبل “اصحاب الحكومة”. ولو ان الامر يجري في حدود ضيقة، او يدخل في موصوف التصرفات الفردية، او يحتسب على مظنة الخطأ غير المقصود، او قلة الخبرة، لهان كثيرا، ولأمكن السكوت عنه والعثور على تبريرات له، لكن القضية خرجت عن كل هذه التأويلات، ودفوع حسن الظن، وذلك عندما صار بالامكان ان تكون في الحكومة وان تكون خارجها في نفس الوقت، فتتخد قرارات واجراءات لا احد يوصد الابواب ازاءها، كما ان تلك التوجيهات والتصرفات والاعلانات (انتباه!) تأخذ طريقها الى التنفيذ عبر اقنية الحكومة، او في الاقل، تحت سمعها وبصرها، الامر الذي لايمنع المراقب من الاعتقاد بان هناك حكومات مستقلة تقوم بوظيفة ادارة الدولة.. والحكومة ساكتة. اليس السكوت علامة الرضا، كما تقول جداتنا.
“ إتباع التقاليد لا يعني أن الأموات أحياء بل إن الأحياء أموات”. إبن خلدون
|