أستمرار العمل بقوانين النظام السابق، في مجالات النشر والتعبير عن الرأي والتنظيم النقابي والاجتماعي يضع الهيئة التشريعية، والقوى المتنفذة في البرلمان، امام ظنة التواطئ في استخدام تلك القوانين لقمع الحريات والحيلولة دون الانتقال الى دولة المواطنة الناجزة، في حين فشلت جميع الدعوات والنداءات، حتى الآن، لايجاد بدائل عن تلك التشريعات الاستبدادية بما ينسجم مع منطلقات الدستور والتزامات الدولة بالمواثيق الدولية. والغريب في الامر ان السلطة التنفيذية لا تتأخر عن ترجمة تلك التشريعات، بما تتضمنه من زجر وتعد على الحقوق المدنية، الى ساحة التطبيق اليومي بحماسة لافتة، وبخاصة في ميداني النشر إذ توجد ثماني عشرة مادة قانونية تتيح اقامة دعاوى بقضايا حرية التعبير والاعلام تتعارض، اصلا، مع الدستور الذي يكفل احترام الحريات الفردية والعامة، عدا عن خروجها على المعايير والتعهدات والمواثيق الدولية الضامنة لتلك الحريات. وليس من دون دلالة ان يجري التذكير دائما بمواد في القانون الجنائي البائد تحمي “رئيس الدولة” من النقد والمتابعة والملامة، بل صار مألوفا ان يحال اعلاميون وكتاب رأي الى محاكم النشر بتهمة التجاوز على المسؤول التنفيذي للدولة، فيما هو الشخص الاول الذي ينبغي ان يستمع الى نشريات اللوم والنقد ويتفاعل معها لجهة تصويب الامور وحماية الحق العام وتشخيص محددات البناء ومكافحة الفساد وسوء استخدام السلطة. كما يجري التمسك بتشريعات النظام السابق بصدد حق التنظيم النقابي، ومنع العمال في دوائر الدولة من الانضمام الى النقابات، بل ووضع النقابات العمالية تحت الوصاية المباشرة للسلطة، ومسخ استقلاليتها وفرض هيئات قيادية عليها، لغرض وأد الرقابة على عمل الادارات الحكومية، وكبح الغيرة على المال العام، وتعبئة المواطنين وراء خيار التغيير. كل ذلك يطرح التساؤل الوجيه عما تبقى من خطايا نظام صدام حسين لم يجر استلهامها وحمايتها واعادة انتاجها، مع تكرار الشكوى التي نسمعها، بين محفل وآخر، من المظالم الشنيعة التي ارتكبها صدام حسين حيث ستحل بعد اسابيع قليلة ذكرى سقوطه المدوي، ما يصلح ان يكون درسا لساسة المرحلة، من الزاوية الاتية: لم يكن صدام حسين يتصرف، ولا لمرة واحدة، انه سيترجل عن السلطة، بل انه لم يكن ليعتقد ان قوة على الارض بمقدورها القائه خارج اللعبة، وقد عبر عن هذا الوهم القاتل في ما لا حصر له من المواقف، فعدا عن الاف النصب والجداريات التي انتشرت في ساحات بغداد والمدن العراقية وحرصت على “تخليد القائد” فانه دس اسمه، صريحا او مؤشرا له، في رقائق وزخارف واحجار دينية وآثارية ترفعه الى مصاف الانبياء، وتختزله الى اية سرمدية من آيات الكون. اقول، ليقرأوا دلالات هذا الحدث، من هذه الزاوية حصرا.
“ان لم يكن لديك هدف فاجعل هدفك الاول ايجاد هدف”. طاغور
|