التاريخ مدلس كبير .. فلماذا الحاضر ايضا..؟ |
التاريخ تدليس مقصود.. والتدليس ابليس. فالتاريخ كذلك عبارة عن ابليس متشيطن يقدم لنا الاغواء المنمق الذي لا يستطيع كثير من الناس, وبضمنهم المؤرخون، الا الوقوع فيه. على هذا الاساس لا يكون التاريخ نفسه الا ايديولوجيا وضلالا واوهاما تتراجع فيه الحقائق والاحداث والوقائع الى الخلف لتسمح للانبهار وحده ان يكون المقدس، حتى بالنسبة لوقائع يشوبها كثير من الالتباس التاريخي ومثال ذلك ايام العرب قبل الاسلام. ليس تاريخ العالم تاريخا دينيا كله. فلا الحروب اليونانية والبيزنطية مع الفرس حروبا دينية بين وثنيتين، ولا الحروب الاوربية بين الكاثوليكية والبروتستانتية حروبا دينية وطائفية بين طائفتين، ولا النزاع بين السنة والشيعة نزاع من اجل صحة العقيدة ومن اجل الله. فكلا الطائفيتين الاسلاميتين تؤمنان بالله ونبيه وتشهدان ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله. لا ينفى هذا الاستنتاج صحة الاعتقاد من كل طرف بما يؤمن به. فمنذ القرن الثالث الميلادي ودخول الامبراطورية الرومانية في المسيحية وشنها الحروب ضد خصومها، اصبح التعصب ضروريا لهذه الحروب التي تلبس تحت المعاطف الدينية قمصانا قومية وجلابيب قبلية وملابس داخلية من المصالح والمنافع المالية والاقتصادية والجنسية وحب التملك والنزعات البيولوجية من العنف والقتل وتحرير المشاعر والاندفاعات العدوانية. ان التاريخ يقوم على المقدس باعتباره الهدف الاسمى. لذلك كان الاله مردوخ في بابل هدفا للمقاتلين لكي تسقط بابل وتحيا سوسة او تحيا اشور او ايلام او آمور. لكن بابل كانت تعني ملكا. وتحول امرؤ القيس الذي تخلى عن فرديته البوهيمية بعد مقتل ابيه ملك كندة الى مقاتل من اجل السلطة. هذه السلطة التي سيكون الشعر الى جانبها ايضا ليفصح لنا عن جوانب التناقض بين القيم العامة السائدة وبين النزعات الفردية لشاعر، آخر ما كان يفكر به هو سلطة سياسية بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وايقن اّنا لاحقان بقيصرا فقلت له ، لا تبك عينك انما نحاول ملكا او نموت فنعذرا كان القتل والموت عذرا لهذا الملك. وهو ما يكشف الهدف الاخير للتاريخ. لكن امرئ القيس ذهب في اتجاه جيوبوليتكيي غلط حيث ذهب الى بيزنطة التي لا تربطها مع الجزيرة العربية روابط جيوبوليتيكية فخسر ملكه بينما ذهب سيف بن ذي يزن الذي اخذ الاحباش ملكه الى اتجاهه الجيوبوليتيكي الصحيح فذهب الى كسرى وعاد ابنه الى الملك بعد وفاة سيف. اذا كان التاريخ مجموعة من نزعات فسنعترض على سيف بن ذي يزن لانه ذهب الى كسرى، لكن اتجاهه الجيوبوليتيكي كان صحيحا. وسنمجد امرؤ القيس لانه ذهب الى بيزنطة عدوة الفرس، رغم ان اتجاهه الجيوبوليتكيكي خطأ. فقد استعاد ابن سيف ملك ابيه بينما خسر امرؤ القيس ذلك الملك. النزعات المختلطة هي التي صنعت التاريخ . فالوقائع بدون هذه النزعات لا تعود تاريخا بل وقائع مجردة عن الصح والخطأ. كانت الحركة القومية العربية حركة منحازة للعقل العثماني، وهي مفارقة (طبيعية) في جغرافيا سياسية تخضع للتعديل الايديولوجي دون نتيجة، سوى ضياع الهوية وفقدان المستقبل. كانت الحرب الباردة التي بدأت معالمها غداة انتهاء الحرب العالمية، سببا لتطوير تكنولوجيا هائلة وصلت الى (استعمار) الفضاء وملء الارض بترسانات نووية مخيفة اهدرت ترليونات الدولارات ووسائل تجسس الكترونية دقيقة وصلت الى الاختراعات الجديدة في وسائل الاتصال. هذه الاختراعات استطاع تنظيم سري واسع مثل القاعدة توظيفها لانتاج الموت والقتل. القاعدة ليست تنظيما دينيا محضا. فهي تنظيم لشن الحرب فقط. انها تجند ادواتها دينيا ولكنها تستخدمهم لاغراض غير دينية. ان اهدافها تدميرية تختلط فيها النزعات الثقافية والسايكولوجية والاجتماعية المختلفة. كان بن لادن غنيا ولكنه بحاجة الى موقع يشتهر من خلاله. موقع يعطيه صفة العالمية وقد حصل عليه ولكن عبر الاف الضحايا سواء من المسلمين في افغانستان وفي العراق ومصر والسعودية او من غير المسلمين كما في نيويورك. فلدى بعض الاشخاص هوس بالتاريخ يصل الى حد الهوس بالجلوس في صفوفه. ذلك هو هوس الطغاة والمستبدين وبناة التماثيل والنصب الشاهقة، اما الذين لا يؤمنون بالتماثيل والنصب فانهم يبنون (قداسة) دينية بدلا عن التماثيل والنصب. ليست القاعدة او داعش او منظمات التكفير سوى الوجه التدليسي المفضوح للتاريخ. لا يعني ان ما تقوم به القاعدة او داعش يختلف عما كان يقوم به التنظيم التكفيري في التاريخ. ففي تاريخنا تحول الخوارح. المؤمنون المتعصبون، المتمسكون بقيم وتقاليد البداوة الصارمة، الاحادية التفكير، الى خطر استمر مائتي عام. وكذلك تحول الاسماعيليون الذين ابتكروا تنظيم الحشاشين الثوري وهو مجموعة الاغتيالات الضاربة، الى نفس الخطر مقابل التنظيم الاخطر للتنظيم التكفيري الذي كانت تمثله السلطة الرسمية باسم الدين. الوجه التدليسي للتاريخ يكمن في ازدواجية التوظيف والاستهدام لنفس الفكرة باتجاهين متعارضين. فليس من المفارقات ان يعمد صلاح الدين الايوبي الذي كان الحشاشون يمثلون خطرا ضاربا عليه، الى التعاون معهم واستخدامهم في حربه ضد الفرنجة فيما عرف باسم الحروب الصليبية بسبب بسالتهم واقدامهم وفدائيتهم. لقد كانت المصالح السياسية واضحة لكن التدليس التاريخي يقف وراء كثير من اختلاط الحقائق بالاوهام والاباطيل. فمن جهة كان صلاح الدين قد قضى على الدولة الفاطمية وتراثها الثقافي الهائل وكشف عن عداء منقطع النظير لها باعتبارها خطا مغايرا للسلطة الرسمية السائدة ومن جهة اخرى احتاج الى فدائيين لتوطيد سلطته وتوسعها الى فلسطين وخاصة القدس. ليس التكفير سوى الوجه السياسي المخفي تحت قناع التعصب الديني من اجل السلطة والمال. ومن جديد عليّ التاكيد ان هذا القناع لم يكن مزيفا على الدوام. فالدين مشاعر ضرورية للفرد لكي يكون مؤمنا. وفي ساحة هذا الايمان تتضارب المصالح الاخرى. المصالح الدنيوية كما نطلق عليها. العالم، بما فيه العولمة والكوننة، اي بما فيه من صراعات ثقافية وفكرية وابراج حظوظ وتنبؤات فلك، موضوع خارجي. اي ان الفرد ملقى في اثير هذا العالم وفي مجالات موجاته المغناطيسية وحيدا. وهذا ما يسميه البعض بالقضاء والقدر. اما القضاء والقدر بالمفهوم الاخر فهو مرتبط بحرية الاختيار. ان موضوع التاريخ معقد لسبب واحد هو الولاء. فالتاريخ ولاء. واعادة قراءة التاريخ هي خرق لهذا الولاء وتشكيكا به. لذلك تكون اعادة قراءة التاريخ عملية متهمة بالطائفية او العرقية في ابسط الحالات. التاريخ كما هو هو عملية ركود. بركة لا يريد احد ان يلقى فيها حجر. ان الخلاف على التاريخ هو خلاف على معتقدات وحقائق وخرافات واوهام وضلالات ومشاعر وولاءات وتصورات وذهنيات راسخات ومصالح تحميها العواطف والمشاعر والالتزامات. بهذا المعنى يكون التاريخ منظومة معقدة ومتشابكة ومتصاهرة مع عدد من التراكمات والرواسخ الدينية والقومية والثقافية التي تعطيه الصلابة والصمود. وسعت اثينا ديمقراطيتها بعد معركة حاسمة مع الفرس في اربيللا. توسعت شواطيء التجارة اليونانية فتوسع معها عدد الذين يملكون ويعملون ويصوتون للديمقراطية. كيف يمكن ان تكون هذه المعركة بالنسبة للفرس الذين لم يكونوا ديمقراطيين؟ لقد كانت كارثة بالنسبة لهم. واذا قال مؤرخ ان هزيمة الفرس كانت انتصارا للديمقراطية الاثينية فان مثل هذا القول يعد قولا اخرق بالنسبة لاي شخص يمجد عظمة الامبراطورية الفارسية. كانت تجارة العبيد جزءا من حضارة روما وفنها الفروسي القاتل. وكانت مظهرا من مظاهر عظمة ورفاهية روما وتحللها الجنسي ايضا. وكانت الالعاب التي تبرع فيها شخصية (الغلادييتر) الذي يقاتل حتى الموت او يقتل، (فرحا) تصعّده مشاهد الدم واللحم الممزق وصيحات الالم حين تخترق الرماح والسيوف القلوب والاكباد والرئات والحناجر. كيف يمكن محاكمة هذه اللعبة بدون اضافتها الى همجية روما المتحضرة؟ وكيف يمكن حل التناقض بين مفهومي الحضارة والهمجية؟ الامر نفسه ينطبق على حضارات امم اخرى. فاقدم الحضارات قامت على القرابين. فالحضارتان السومرية والفرعونية قدمتا الاف الضحايا الذين ينزلون الى قبورهم احياء مزينين بقلائدهم وسيوفهم وتمائمهم واقراطهم وثيابهم البهية الفاخرة لينتظروا موتهم البطيء طبقا لقناعاتهم بطقوس الموت المقدس هذا. ونعثر اليوم على مقابر ملكية جماعية لحضارة قدمت الكثير جدا للبشرية بما في ذلك الاناشيد والترانيم القصائد الجميلة الرائعة ذات الروح الانسانية الخالدة. كانت حرب البسوس حربا بين اشكال الملكية العامة والخاصة. فالمشاعية البدائية كانت تحرس المراعي والمياه وتوفرها لجميع الناس. وحين دخلت ناقة البسوس مرعى مشاعا حماه كليب الذي اراد ان يحول الملكية المشاعية الى ملكية خاصة باسم ( الحمى ) قام كليب بضرب ضرع الناقة بسهم فقتلها. هذه النقطة التاريخية ليست حمية عشائرية او حفظ الجوار والضيافة فحسب، وانما هي صراع بين المصالح العامة والمصالح الخاصة. ودليل ذلك ايضا ما ورد في الرواية نفسها: حرب البسوس هي حرب قامت بين قبيلة تغلب بن وائل وأحلافها ضد بني شيبان وأحلافها من قبيلة بكر بن وائل بعد قتل الجساس بن مرة الشيباني البكري لكليب بن ربيعة التغلبي ثارا لخالته البسوس بنت منقذ التميمية بعد أن قتل كليب ناقة جارها سعد بن شمس الجرمي، ويذكر المكثرون من رواة العرب أن هذه الحرب استمرت أربعين عاما من سنة ٤٩٤ ميلادية. اي ثلاثة اجيال تقريبا. كان كليب بن ربيعة التغلبي سيدا لقبائل معد وملكا عليهم . ثم استبد، فكان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى في الارض التي ينبت فيها العشب، ويجير على الدهر فلا تخفر ذمته، ويقول: «وحش أرض كذا في جواري فلا يهاج»، ولا تورد إبل أحد مع إبله، ولا توقد نار مع ناره حتى قيل: « أعز من كليب وائل». وكان بنو جشم من تغلب بن وائل وبني شيبان من بكر بن وائل متجاورين في ديارهم. وكانت البسوس بنت منقذ التميمة نازلة في بني شيبان عند جساس الذي كانت خالته. وكان مع البسوس جار لها اسمه سعد بن شمس الجرمي القضاعي الذي كان يملك ناقة تسمى: «سراب» فمرت إبل لكليب بسراب وهي معقولة، فلما رأت الناقة الإبل نازعت عقالها حتى قطعته وتبعت الإبل واختلطت بها فلما رآها كليب أنكرها فرماها بسهم في ضرعها فنفرت وهي ترغو. فلما رآها الجرمي أخبر البسوس فصاحت « واذلاه ! واجاراه !» وأنشدت: لعمري لو أصبحت في دار منقذٍ لما ضيم سعد وهو جار لأبيات ولكنني أصبحت في دار غربةٍ متى يعد فيها الذئب يعد على شاتي فيا سعد لا تغرر بنفسك وارتحل فإنك في قومٍ عن الجار أمواتِ فلما سمعها ابن اختها جساس بن مرة غضب وركب فرسه ولحق به عمرو بن الحارث الشيباني حتى دخلا على كليب في حماه فقال جساس لكليب: «أيا أبا الماجدة، عمدت إلى ناقة جارتي فعقرتها» فقال له كليب: «أتراك مانعي إن أذب عن حماي؟» فغضب جساس فضرب كليب برمحه ثم جاء عمرو فطعن كليبا من خلفه فقطع بطنه حتى وقع كليب. وقال في ذلك عمرو بن الأهتم المنقري التميمي: وإن كليبا كان يظلم قومه فأدركه مثل الذي تريان فالظلم والتجاوز على الملكية العامة كانا سبب قتل كليب وليس الثأر لناقة. ثم ارتحل بنو شيبان حتى نزلوا ماء يقال له: النهى. فتشمر لهم المهلهل واعتزل الخمر والنساء وجمع إليه قومه من تغلب وأرسلوا رجالا إلى مرة بن ذهل الشيباني والد جساس فقالوا له: «إنكم أتيتم عظيما بقتلكم كليبا بناب من الإبل، فقطعتم الرحم، وانتهكتم الحرمة، وإنا كرهنا العجلة عليكم دون الإعذار إليكم. ونحن نعرض عليكم خلالا أربع لكم فيها مخرج، ولنا مقنع» فقال: «وما هي؟» فقالوا: «تحيي لنا كليبا، أو تدفع إلينا جساسا قاتله فنقتله به، أو هماما فإنه كفء له، أو تمكننا من نفسك فإن فيك وفاء من دمه؟» فقال لهم: «أما إحيائي كليبا فهذا ما لا يكون؟ وأما جساس فإنه غلام طعن طعنة على عجل ثم ركب فرسه فلا أدري أي البلاد أحتوى عليه وأما همام فإنه أبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة كلهم فرسان قومهم، فلن يسلموه لي فأدفعه إليكم يقتل بجريرة غيره، وأما أنا فهل هو إلا أن تجول الخيل جولة غدا فأكون أول قتيل بينها، فما أتعجل من الموت؟ ولكن لكم عندي خصلتان: أما إحداهما، فهؤلاء بني الباقون فعلقوا في عنق أيهم شئتم نسعة فانطلقوا به إلى رحالكم فأذبحوه ذبح الجزور، وإلا فألف ناقة سوداء المقل أقيم لكم بها كفيلا من بني وائل» فغضبوا منه وقالوا: «لقد أسأت، ترذل لنا ولدك وتسومنا اللبن من دم كليب». فلحقت الجليلة بنت مرة الشيبانية بأهلها ودعت تغلب قبائل النمر بن قاسط وغفيلة بن قاسط فانضموا لها وأما بنو شيبان فاعتزلت عنهم قبائل بكر بن وائل وكرهوا مساعدتهم وأعظموا قتل جساس كليبا بناقة فارتحلت عنهم بنو عجل وكفت عن نصرتهم بنو يشكر وانقبض الحارث بن عباد سيد بني قيس بن ثعلبة في بيته. وقد اشتهرت ايام المعارك وكتب عنها المؤرخون العرب وكأنها ايام فتوحات وبناء امبراطوريات وصراع حضارات ومنها يوم النهي ويوم زبيد ويوم الذنائب وكانت الحرب سجالا بين القبيلتين كما يقول العرب وتغيرت التحالفات بين القبائل حسب الاحداث وقيل فيها شعر كثير حفظه لنا العرب وعلى الرغم من أن معظم قبائل بكر بن وائل امتنعت عن نصرة بني شيبان في الحرب وعظمت قتل جساس لكليب في ناقة ، إلا أن المهلهل عدي بن ربيعة سيد تغلب أسرف بعد وقائعه السابقة في بني شيبان فأوقع بقبائل من بكر بن وائل كانت قد اعتزلت الحرب لانه كان يريد احياء كليب كما قال: يا لبكر انشروا لي كليبا ورغم اعتزال الحارث بن عباد سيد بني قيس بن ثعلبة وهم إحدى قبائل بكر بن وائل لهذه الحرب وتجنبها هو وقومه حتى قال: «هذا أمر لا ناقة لي فيه ولا جمل»، إلا أن المهلهل قتل ابن أخي الحارث وقيل ابنه بجير بن الحارث بن عباد فلما بلغ ذلك إلى الحارث قال: «نعم القتيل قتيل أصلح بين ابني وائل» وهو يظن أن المهلهل جعل بجيرا كفوءا لأخيه كليب وأدرك به ثأره فقال له القوم إنما قتله بشسع نعل كليب وقال عند قتله: «بؤ بشسع كليب» ورد عليه بجير قائلا: «إن رضيت بذلك بنو ضبيعة بن قيس رضيت»، فغضب الحارث بن عباد عند ذلك واشتد غضبه فركب فرسه النعامة وهو يقول: قربا مربط النعامة مني لقحت حرب وائل عن حيالي لابجير اغنى قتيلا ولا رهط كليب تزاجروا عن ضلال قربا مربط النعامة مني ان قتل الغلام بالشسع غالي فاجتمعت على الحارث بن عباد قبائل بكر بن وائل وساروا إلى تغلب فقاتلوها وانتصروا عليها وأسر الحارث بن عباد سيد بني تغلب المهلهل عدي بن ربيعة وهو لا يعرفه فقال له: «دلني على عدي بن ربيعة وأخلي عنك» فقال له المهلهل: «عليك العهود بذلك إن دللتك عليه؟» فقال له الحارث: «نعم» فقال المهلهل:» فأنا عدي» فجز الحارث ناصية المهلهل وتركه ثم قال: لهف نفس على عدي ولم اعرف عديا اذا امكنتني اليدان وانا اعتقد ان كل هذا الشعر قد جرت صياغته في وقت لاحق. وربما كان جزءا من ملحمة شعرية على غرار الالياذة او الاوديسة او ملحمة كلكامش كتبها شخص او اكثر تتحدث عن تاريخ الجاهلية لاني وجدت في بعض الكتب ايضا شعرا عربيا يتحدث عن بدء الخليقة. وكانت لديّ نية عام ١٩٩٨ ان اتناول ذلك في دراسة لكن الانشغال بـ(النضال) من اجل اسقاط صدام حال دون ذلك، وما يزال (النضال) من اجل تغيير ما بعد نظام صدام يحول دون ذلك ايضا. اما داحس والغبراء او داعش والغبراء فقصتهما هي قصة الخيانات والكيديات والاحقاد. وقد وقعت احداث القصة قبل الاسلام في منطقة نجد بين قبيلتي عبس وذبيان. وداحس والغبراء هما اسما فرسين وقد كان « داحس» حصانا لقيس بن زهير العبسي الغطفاني، و» الغبراء» فرسا لحذيفة بن بدر الذبياني الغطفاني. وكان سبب الحرب هو سلب قافلة حجاج للمناذرة تحت حماية الذبيانيين مما سبب غضب النعمان بن المنذر وأوعز بحماية القوافل لقيس بن الزهير من عبس مقابل عطايا وشروط إشترطها ابن زهير ووافق النعمان عليها مما سبب الغيرة لدى بني ذبيان، فخرج حذيفة مع مستشاره وأخيه حمل بن بدر وبعضا من أتباعه لعبس لمقابلة ابن زهير وتصادف أن كان يوم سباق للفرس. اتفق قيس وحذيفة على رهان على حراسة قوافل النعمان لمن يسبق من الفرسين. كانت المسافة كبيرة تستغرق عدة أيام تقطع خلالها شعبا صحراوية. فأوعز حمل بن بدر من ذبيان لنفر من أتباعه ان يختبئوا في تلك الشعاب قائلا لهم: إذا وجدتم داحس متقدما على الغبراء في السباق فردوا وجهه كي تسبقه الغبراء فلما فعلوا تقدمت الغبراء. وحينما تكشف الأمر بعد ذلك اشتعلت الحرب بين عبس وذبيان. دامت تلك الحرب أربعين سنة وإشتركت فيها العديد من القبائل العربية، والسبب ليس نتيجة السباق وانما المصالح التي حصل عليها العبسيون على حساب الذبيانيين. واذا دققنا النظر في حروب القبائل سنجد ان تغلب بن بكر هم ابن عم وائل بن بكر وقد حدثت حرب البسوس بينهما وان قبيلة عبس من غطفان مثلما ان قبيلة ذبيان من غطفان ايضا. فالحمية القبلية واحدة ولكن المصالح متناقضة. قام الحارث بن عوف وهرم بن سنان المرّيّان الذبيانيان بالتعجيل بانهاء الحرب عن طريق المال. اي السبب الاول والاخير لقيام الحرب. فأديا من مالهما ديات القتلى الذين فضلوا بعد إحصاء قتلى الحيين وأطفآ بذلك نار الحرب. اي ان من مات زيادة عن العدد المتساوي للقتلى تحول الى مبلغ من المال. ولم يبق من داحس والغبراء سوى شعر زهير بن ابي سلمى في معلقته وشعر عنترة بن شداد العبسي في معلقته ايضا. كان ذلك هو التاريخ. ومعلقة عنترة ومعلقة زهير وثيقتان من وثائق حرب داحس والغبراء،
|