الكرسي امامهم لا خلفهم |
تبدو الصحف العراقية هذه الأيام وكأنها ساحة تدور فيها دوائر الحروب .. لاشيء سوى أخبار التفجيرات ، وغضب الساسة بعضهم على بعض .. والاهم القلق الذي يساور البسطاء على مصير هذه البلاد .. وعندما نقرأ تصريحا لسياسي او مسؤول نزداد خوفا اذا ما قررنا ان نتوقف عنده او نصدقه.. اليوم تبدو البلاد مثل مرآة مهشمة يصر الجميع على ان نمشي فوقها حفاة .. لا احد يدري الى متى سيستمر الحال بحرب داحس والغبراء بين سياسيي المحاصصة الطائفية الذين يتصدرون الصفحات الاولى في الكذب وخداع الناس .. والتغطية على الجرائم والمراوغة والنفاق .. يقدمون للخراب وقتا اضافيا لاجتياح ما تبقى من مساحات الامل في نفوس الناس .. يكذبون في الصباح ..ويكذبون في الظهيرة .. يعدون بان يسرعوا في التنمية والبناء واقامة دولة العدالة الاجتماعية .. فنجدهم يسرعون في الانتهازية واللصوصية واقصاء الاخر وتخوين الشعب .. كل شيء يبدو عبثيا حين يصر البعض على انه صاحب الحقيقة المطلقة .. واذا حاولنا ان ننفض عن انفسنا رتابة الكلام السياسي الممل الذي نسمعه ونقرأه كل يوم، يقلقنا ان البلاد لاتزال تبحث عن رجال حكماء يقودونها الى ضفة الامان والطمأنينة. نقلب في الاخبار ذات اليمين وذات الشمال عسى ان نجد احد مسؤولينا يمارس فضيلة مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ، والذي يشكل اليوم جزءا من نسيج الحكومات المتحضرة، وتاريخ الاعتذارات مليء بالمواقف الصعبة لعدد كبير من المسؤولين في الغرب وهم يخرجون للناس يقدمون اعتذاراتهم، ومعها خطاب الاستقالة بسبب أفعال أضرت بالمصلحة العامة.. عام 1969، اقترع الفرنسيون على الدستور الذي اقترحه ديغول. وحين اعلنت النتائج التي تظهر ان 52% من المواطنين صوتوا ضده .. نجد صباح اليوم التالي صحف فرنسا تنشر على صفحاتها الاولى الخبر التالي : ديغول يقدم استقالته وبيان من سطر واحد " اعتبارا من اليوم سأتوقف عن ممارسة مهامي كرئيس للدولة " كان ديغول الذي شعر بالأسى قد أنقذ فرنسا في حربين عالميتين .. وجعل منها خلال فترة حكمه واحدة من الدول الاقتصادية الكبرى .. ومع ذلك استجاب لنسبة الـ 2% ومضى إلى منزله الريفي وظل هناك حتى توفي. زعامات ساطعة في التاريخ استطاعت بفضل نزاهتها وحكمتها وإصرارها على إشاعة روح العدالة الاجتماعية أن تحدث اكبر التحولات السياسية والاقتصادية في العالم، وحين يطمئن مسؤول منهم إلى أن كل شيء يسير في الطريق الصحيح، ينفض يديه من السلطة ويقرر ان يحتكم لصوت الضمير والناس . دروس من التاريخ مذلة للآخرين ..دروس مهينة لديمقراطيتنا العشوائية .. امثولة لنا جميعا ونحن نرى ساستنا يتعاطون شؤون الحكم بالتقاتل والحقد والكره والتخوين . . درس لنا جميعا ونحن نشعر بالغثيان حين نسمع البعض من سياسيينا وهم يتحدثون عن التسامح والمحبة والقانون وحكم الضمير ومخافة الله .. دروس تقول لنا إيانا ان يشعر احد منا نحن المواطنين ان تجارب هذه الشعوب لا تعنينا ، وان علينا ان نعرف ان في هذا البلد ..بلد الأربعين عجيبة وعجيبة ..يخوض معركة مجالس المحافظات الاف المرشحين لم يبلغوا بعد سن الرشد السياسي .. وجه اخر وقبيح في ديمقراطية المحاصصة الطائفية. ان تصبح ابواب المناصب والمنافع مفتوحة للتهافت والتكالب والسعي لالغاء الاخر .. وجعل السياسة سوقا للشعارات التي تجعل من المسؤول مبعوث العناية الالهية لهذا الشعب لكي يسير به الى طريق الهداية والايمان.. لم تعد السياسة في الامم المتحضرة مباراة للبطولة وحشد الطوائف .. لكنها عصر الشعوب التي قررت ان ترمي التعصب والتخلف والخرافات وراء ظهرها .. لازلت اصر بالعودة الى دروس تقول لنا ان صوفيا غاندي فازت قبل سنوات باكثر اكثرية في التاريخ 700 مليون اقترعوا لها .. وحين وجدت ان الاقلية السياسية ترفض توليها منصب رئاسة الحكومة .. لم تخرج على الناس بخطاب ثوري .. ولم تعد العدة لمظاهرات مليارية ..لم تفعل سوى ان قالت انها لن تكون محنة للبلاد، وبكلمات مؤثرة خاطبت الملايين التي انتخبتها : لااريد ان اكون فتنة .. ولن اقبل ان اكون رئيسة للوزراء بالاكثرية الساحقة فقط .. اريدها بالاجماع الجميل ". اما نحن المساكين الذين اتعبتهم اخبار الصفحات الاولى .. متى نعيش في ظل ساسة ومسؤولين يقدمون امثولة للتاريخ حين يفاجئون العالم بانهم اكبر من المنصب .. اخبار الصحف الاولى تؤكد ان لا امل في الافق ..فنحن مع ساسة يسيرون الى التاريخ والكرسي امامهم لاخلفهم. |