حلبجه .. شهادة التاريخ على وحشية الفاشست البعثيين والضمير الغائب

 

تمر اليوم الذكرى 26 لجريمة العصر من قبل الفاشست البعثيين الذين قصفوا حلبجة من الطائرات بسموم الخردل والسيانيد تحية لشهداء حلبجة الابرار والخزي والعار للفاشست البعثيين القتلة .

مدينة الشهادة :

كنا جميعا حضور داخل متحف الشهداء في مدينة حلبجة الشهيدة نحن الحضور من الأحياء الشهداء على زمن وعصر الجريمة البعثي الفاشي ، وأرواح وأسماء وصور ومجسمات الشهداء الذين ذهبوا يشكون ظلم الفاشست القتلة من البعثيين الذين أطلقوا غازاتهم الكيمياوية السامة عليهم وهم يعيشون آمنين في بلدتهم الصغيرة دون أن يكون لهم أي ذنب فيما جرى من حرب كارثية ظالمة أشعلها النظام الفاشي ضد إيران .
فما يسمعه المرء من جريمة طبقت بصورة جماعية على سكان مدينة باجمعهم غير ما يراه على ارض الواقع عند زيارة المدينة الشاهد الدامغ لجرائم البعث ضد البشرية وعمليات التطهير العرقي التي جرت بكل برودة دم من قبل الحكام العفالقة ضد أبناء الشعب الكردي . وعرفت جريمة الإبادة الجماعية بأنها " الأفعال التي ترتكب عن قصد لتدمير كل أو جزء من جماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية" ، فقد اعتمدت الأمم المتحدة في العام 1948 اتفاقية لمنع الجريمة والإبادة الجماعية وحددت العقوبة المفروضة على مرتكبيها ، ودخلت الاتفاقية حيز التطبيق عام 1951 ثم أنضم العراق إلى الاتفاقية عام 1959 .
لكن هل التزم النظام البعثي الفاشي بالاتفاقية الدولية في كلا من زمني الحرب والسلم داخل الأراضي العراقية وحتى دول الجوار؟.

دلائل على الجريمة :

مما يثير الألم والأسى إن الكثير من السياسيين والمثقفين والإعلاميين وخاصة من دول ( العروبة ) لا زالوا يتجاهلون بكل إصرار جريمة حلبجة المروعة التي ذهب ضحيتها 5000 مواطن كردي برئ باجمعهم من سكان مدينة حلبجة . أو إن البعض يرمي بتهمة الجريمة على المجني عليهم مرددا معزوفات غريبة ألفها وعاظ السلاطين من الإعلاميين الذين كانوا يسيرون تحت مظلة النظام الفاشي من جماعة متلقي هبات وهدايا السلطان . وقسم آخر يرمي بالتهمة على إيران بطريقة غريبة مبنية أصلا على الباطل القصد منها فقط تبرئة النظام الفاشي والمجرمين الذين نفذوا الجريمة وباعتراف صريح من البعض منهم وخاصة المنفذ الأول للجريمة ( علي كيمياوي ) – علي حسن المجيد – داخل المحكمة الجنائية العليا .

 

وهناك أدلة دامغة عديدة تشهد على استعمال النظام البعثي للأسلحة الكيماوية ثبتتها تقارير منظمات دولية وأشخاص قريبين من سلطة الحاكم الدكتاتور . فتقارير منظمة مراقبة حقوق الإنسان تشير إلى قيام سلطة صدام باستعمال السلاح الكيمياوي ( الذي يطلق عليه العتاد الخاص ) أكثر من مرة وفي أكثر من مكان ، حيث ورد بتقرير السيد أندرو ويتلي المدير التنفيذي لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان / الشرق الأوسط ( أن منظمته سجلت أربعين هجمة متفرقة أستعمل فيها الأسلحة الممنوعة ، وأن الضحايا في الغالب من المدنيين ) . وشهادة بالصوت والصورة لرئيس أركان الجيش آنذاك نزار الخزرجي الذي ادعى بان لا علم له بالضربة الكيمياوية ولذلك اتصل بوزير الدفاع عدنان خير الله طلفاح الذي أنكر هو الآخر معرفته بالضربة الكيمياوية وسيستعلم من القيادة الخبر وفعلا وبعد ساعة ونصف اتصل به وزير الدفاع ليخبره بأنه علم من صدام شخصيا وهو القائد العام للقوات المسلحة حينها بان الطائرات عراقية والضربة عراقية ونفذت بأمر شخصي من صدام لكون المدينة حسب ادعاء استخبارات علي كيمياوي قد سقطت بيد القوات الإيرانية فطلب صدام قصف المدينة بمن فيها من المدنيين بالأسلحة البايولوجية .
كما اعترف في حديث لإذاعة العراق الحر التي كانت تبث من العاصمة التشيكية في براغ العميد الطيار المتقاعد جودت مصطفى النقيب قائلا : ان طائرات النظام العراقي الفاشي هي التي قصفت مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية في آذار 1988 , وقال العميد الطيار جودت مصطفى النقيب : إن طيران النظام قام أولا بقصف المدينة بالقنابل العادية , ثم أغار عليها بالقنابل الكيمياوية , وأوضح, إن الطائرات التي شاركت في ضرب حلبجة بالأسلحة الكيمياوية , انطلقت من ثلاث قواعد جوية تابعة للنظام , هي (قاعدة البكر وقاعدة صدام وقاعدة كركوك) , كان العميد جودت مصطفى النقيب يشغل منصب مدير ادارة السلامة الجوية في القوة الجوية العراقية , قبل احالته على التقاعد في تموز 1988 وكان احد ضباط غرفة العمليات في اليوم الذي قصفت فيه حلبجة , وهو يوم 16 آذار 1988 .
كذلك التقارير الطبية الصادرة عن المستشفيات الألمانية والنمساوية التي تم نقل المصابين إليها وشهادة الطبيب النمساوي في المحكمة الجنائية العليا الذي عالج المصابين البروفيسور كيرهارد فالنكر .
ومن قبل وفي العام 1985جرت معارك شرق دجلة التي احتل فيها الإيرانيون القرنه والعزير عبر هور الحويزه وتمكنوا من الوصول إلى الطريق العام بصرة- عمارة في قاطع العزير واحتلوه وقطعوا الطريق العام لبغداد ، يومها أذيع من إذاعة بغداد في فجر اليوم التالي تصريح للناطق العسكري جاء فيه نصا ما يلي : تم إبادة الحشرات الضارة وتحرير الطريق العام بين بغداد والبصرة من يد الفرس المجوس . واضع هنا خطا ً تحت عبارة ( تم إبادة الحشرات الضارة ) داعيا الجميع لإعادة قراءتها وتفسيرها بمطلق الحرية .
كذلك حصل نفس الحادث ولكن بشكل آخر مغاير عندما تم احتلال منصة ميناء البكر في البصرة على رأس الخليج من قبل القوات الإيرانية إثناء الحرب العراقية – الإيرانية حيث تم اتصال قائد قوات شرق البصرة بالقيادة العامة للقوات المسلحة واخبروهم باحتلال منصة ميناء البكر وبأسر عدد كبير من القوات العراقية حيث جاءتهم التعليمات من القيادة العامة وبعد ساعة تقريبا وبالضبط من القائد العام الذي كان صدام شخصيا بقصف المنصة بمن فيها لـ ( تحريرها ) من ( الفرس المجوس ) وهكذا تم ابادة القوات الإيرانية مع أسراهم من العراقيين بواسطة نيران كثيفة من القوات العراقية المرابطة في شرق البصرة .
ومما يدين كل المدافعين عن الجريمة وصاحبها وللآن الحكم القضائي الذي أصدرته احد المحاكم الهولندية على المتهم فرانس أنرات بالسجن لمدة 15 سنة لتزويده نظام صدام البائد بالمواد الكيمياوية التي سهلت ضرب مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية .

صور مؤلمة من داخل متحف حلبجة :

مثلت أسماء الشهداء المكتوبة على جدران المتحف وصور البعض منهم والمجسمات الموضوعة في مشهد تراجيدي مؤلم للغاية إدانة كبيرة للجريمة البشعة التي اقترفها الفاشست العنصريين، حيث يتحدث بكل حرقة عن بشاعة وحجم الجريمة المجسم الذي يمثل مأساة حلبجة ورمزها للشهيد عمر خاور وهو يحمي طفله ساقطا على الأرض أمام عتبة داره يوم المأساة في 16 . 03 . 1988 ومعه باقي المجسمات للمدينة الشهيدة

 

ولا ادري لم َ لمْ يكلف أي من المدافعين عن مقترفي جريمة حلبجة نفسه بالنظر لصورة الطفلين الوديعين اللذين كانا متكئين على حائط احد البيوت وقد اسلما روحيهما إلى الباري العزيز حيث حسبهما المصور الذي التقط الصورة أول الأمر من ضمن الأحياء وحاول أن يوفر لهما وسيلة لنقلهما بسبب من جلستهما الطفولية الوديعة وحالة الاسترخاء التي كانا عليها بكل براءة الأطفال ، وكل ظني أنهما كانا سارحين بالفكر في جلستهما متكئين على الحائط بانتظار ارتداء ملابسهما الجديدة يوم عيد النوروز الذي كان سيحل يوم العشرين من آذار حيث يكون كل عام .

ولان الجريمة ثابتة والقرائن متوفرة ضد مقترفيها فليس المطلوب منا إثباتها بقدر مطالبة أصحاب الضمائر الميتة بالكف عن إيجاد الذرائع والحجج للقاتل وعدم الدفاع عن الجريمة والرجوع لجادة الحق دائما فمهما تحجج البعض وأسبغوا على القتلة من أوصاف وألقاب على مر التاريخ لم يستطيعوا محو جرائمهم التي سطرتها كتب التاريخ بمداد اسود قاتم .

هل يكفي فقط أن نعرض معالم الجريمة؟ :

في حديث مع مدير متحف حلبجة الأستاذ سرخيل غفار حمه خان ومسؤول الأعلام الأستاذ محمود حمه أمين محمود وبقية الأخوات والإخوة رئيس وأعضاء المجلس البلدي لحلبجة الذين كانوا في استقبالنا تركز الحديث حول ضرورة التثقيف المستمر بمدى فداحة الجريمة والجرائم الأخرى التي قام بها النظام الفاشي السابق ، ومدى الأضرار الإنسانية والطبيعية وما نتج عن ذلك من مشاكل صحية للمواطنين الذين حالفهم الحظ وبقوا على قيد الحياة بعد الجريمة ، وأهمية البحث الدائم والاستقصاء عن النتائج الكارثية التي لحقت بالمواليد الجدد ، وكذلك ضرورة فحص التربة والنباتات والحيوانات نتيجة للتلوث بالمواد المشعة والبايولوجية السامة المتخلفة في التربة نتيجة الضربة الكيمياوية وأثرها على المواطنين مستقبلا .

 

وأهمية التثقيف تتركز على توعية المواطنين بفداحة وخطورة الفاشية التي لم تتورع عن اقتراف جريمة حلبجة والجرائم الأخرى كالأنفال وجرائم الاهوار ومقابرها الجماعية ، وان يهتم خصوصا بالجيل الجديد لكي يعي ويرفض أي فاشية أو دكتاتورية قادمة .

في حضرة شهداء حلبجة داخل مقبرة الشهداء:

واستكمالا لزيارة المدينة الشهيدة كانت اخر مرحلة لنا هي في زيارة مقبرة الشهداء التي تصدرت مدخلها لافتة جميلة كتب عليها بلغات ثلاث الكوردية والعربية والانكليزية عبارة تقول ( ممنوع الدخول للبعثيين ) ، وهي أجمل ماراينا في المدينة .

 

وتضم المقبرة ثلاث مقابر جماعية لمن دفن من شهداء حلبجة بينما تم دفة الباقي من الشهداء في الدول التي تم نقلهم إليها بعد إصابتهم وتوفوا فيما بعد من اثر الإصابة بالمواد الكيماوية كـ ( مقبرة بهشت زهراء ) في إيران .

في حضرة الرموز من قبور الشهداء :

وخلف نصب الشهداء في الجزء الاخير من المقبرة امتدت شواهد فوق قبور رمزية لشهداء ضحايا القصف الفاشي بالغازات الكيمياوية السامة كي يترك المجال امام آل الشهداء كل على حده للاختلاء بنفسه وزيارة شهيده حيث بدت القبور متراصة وممتدة على مسافة طويلة طولا وعرضا تحكي قصة الجريمة البشعة التي أقترفت بحق أبناء المدينة الثكلى التي فجعت خلال لحظات بالغالبية العظمى من سكانها .

سالت مدير المتحف سؤالا عابرا وكل ظني انه سيجيبني بالايجاب هل زار المسؤولين الجدد للعراق الجديد ومجلس نوابه المدينة الشهيدة وشهدوا مقبرة شهدائها ؟ ، رد علي الأستاذ سرخيل غفار حمه خان بكل أسى بالنفي .. قلت مستطردا : أما كان الأجدر بمجلس نوابنا أن يستذكر مأساة المدينة ويوجه أنظار الإعلام المحلي والإقليمي والعالمي بعقد جلسة خاصة في يوم 16 آذار من سنة من سنينه الأربعة التي قضى أكثرها في جدال فيما بين نوابه في أحيان كثيرة في أمور شبه عقيمة ؟؟؟! .

سلام أيها الشهداء
:
مع انتهاء مراسم الزيارة كان يلفنا الصمت والخشوع والحزن الذي تجدد بمرآى آثار الكارثة الكبيرة ، والضمير الذي لا زال غائبا ضمن دفات قلوب البعض المعفر بالحقد الدفين على كل ما هو إنساني
. ولكن تبقى شواهد المأساة تلاحق القتلة والمجرمين وكل من يحاول أن يتستر عليهم ابد الآبدين .