(محمد بديوي) قلم أخر يغرق في الدم

بدلا من ان يبقى القلم مخضباً بحبر الحقيقة والبحث اللامتناهي عن المعلومة, وبدلا من ان يكون الاعلامي رسولا امينا مطمئناً على فكره وأوراقه البيضاء وأحلامه وجسده المتنقل بين الشوارع والازقة في سياحة متعبة ومرهقة لنقل الآم وآمال المواطن العراقي ,نجده بالعكس ضحية فتارة يهان او يشتم أو تخنق حريته أو يجبر على ركض الموانع عبر الاسلاك الشائكة وفي حالات أشد قسوة تزهق روحه بطلقة طائشة وحاقدة .
هذا ما حصل للاعلامي والاستاذ في الجامعة المستنصرية الدكتور محمد بديوي الذي جمع مهنة التدريس مع عشقه لمهنة المتاعب .
أن الذي قتل هذا الواقف على قدميه لكتابة خبر عاجل لم يكن يتوقع ابدا أن أغتياله هو الخبر العاجل الذي سينتشر ليسجل على قائمة ضحايا البحث عن الحقيقة , يضاف الى كل الشهداء الاعلاميين الذين راكم موتهم في حياتنا الحزن والالم, نقول ذلك لان هذا الاغتيال ليس الاول من نوعه فمسلسل القتل مستمر منذ سنين , والاستمرار لم يكن ليحدث لولا تمادي الحكومة ومؤسساتها والاجهزة الامنية في الاهمال والتراخي وتناسي نزيف الاقلام على أرض هي اصلا غارقة في الدماء التي يهدرها الارهاب يوميا في كل المدن العراقية .
المفارقة هنا ان ثمة أصطفافاً سواء عمدا او بغير عمد بين سلوكيات خاطئة ونظرة دونية لعمل الصحفي المهم والفاعل والمؤثر, وبين فعل الارهابي لجهة النتيجة ففي الحالتين يسقط جسد مواطن بريء لايملك من متاع الدنيا الا مخزون عواطفه وعشقه للوطن ورزقه اليومي الذي بالكاد يكفي لاعالة عائلته . أذن للارهاب الوان ووجوه والذي يطلق الرصاصة على القلم والفكرة والكلمة يرتكب أثما لايقل عن اثم ذوي الاحزمة الناسفة اللذين يفجرون انفسهم على الاطفال والنساء في الاسواق والشوارع والدوائر وفي كل زاوية من الوطن .
ان التهاون والاصرار على التطاول على الجسم الاعلامي في العراق لم يكن ليحدث لو ان الحكومة والاجهزة الامنية اتخذت منذ البداية اجراءات حازمة وحاسمة ازاء كل من اعتدى على الاعلاميين باية صورة كانت وتحت اية ذريعة .
ليكن دم الشهيد محمد بديوي بداية للعودة الى الذات ومراجعة النفس ومجمل الاداء الحكومي تجاه الاعلاميين الذين يستحقون منحهم من عواطفنا وحبنا اللامحدود نسغ الحياة وليس رصاصة الموت.