دمٌ في حلوقنا

في يوم واحد، وقبل النوم، نسمع، من شاشات ملونة، كلمة الدم في غير محلها: عشائر تهدر دم خارجين عليها الى الارهاب والترويع، ثم، رئيس الوزراء يعلن من الشارع ولايته للدم في حمية الاخذ بثأر اعلامي سقط برصاص احد الحراس.. في المرة الاولى يُقترح علينا ان نقبل مرجعية عشائرية للعدالة مصبوغة بالدم، وفي المرة الثانية يُطلب الينا ان نؤيد سفح الدم في الهواء الطلق.
استدراك اول: يستحق اولئك الذين أهدرت دماؤهم من قبل عشائرهم النبذ والموت، للجرائم التي ارتكبوها برفقة قطعان الذئاب، لكن عبر محاكم، كما يستحق قاتل الإعلامي محمد بديوي القصاص، لكن بعد التحقيق والمحكمة.
والحق ان في حلوقنا كفاية من الدم، استعذب بعضنا طعمه، واشمأز بعضنا الاخر من رائحته ومذاقه، والغريب في هذه المحنة، ان بعضنا الثالث يتحول من ضحية أهدر دمه، الى قاتل لايرتوي من الدم، ولايستفزه احتضار المقتول، ولاتأخذه في ما يرتكب ندامة.
استدراك ثان: من اليمين رجال ملثمون بوجوه صفراء من فضلات البشر، وقد غسلوا ايديهم توا بزيوت الجاهلية وفتاوى اهل الدين الجديد، والغل الطائفي، وتخفوا عن الانظار حال انهيار المباني وتطاير الاجساد، ومن الشمال، ساسة يكشرون عن افواه تفيض بالدم. يبحثون عن مكان على جلد الضحايا المحترق لتوقيع بيان استنكار يقول كل شيء عن مرتكبي الجريمة ولايقول شيئا شيئا واحدا عن مسؤولية اصحابه عما يجري.
وعلى مشارف المعادلة، ساسة آخرون يتسلون سرا بلوحة بركة الدم. يتبادلون التهاني، ويبحثون في صور هذا المهرجان من الاشلاء عن ديباجة محبوكة يدسون فيها شفاء غليلهم، وثمة من جانب آخر، عويل نساء واطفال يكتبون بالدم فجيعتهم، ويتلون بالدم نشيد الاباء والابناء الذين سقطوا توا في المذبحة، ويحملون اسئلتهم الى مجالس عزاءعما جناه القتلى ليكونوا طعما للتفجيرات.
على نقالات الجثث دم ضحايا عابرو سبيل. احدهم شاب بنصف جسد بعينين مفتوحتين، وهناك امرأة حُملت بلا يد. تمزقت عباءتها ولاتزال لم تمت وهي تنقل الى مستشفى قريبة من الحي. قالت لرجال الانقاذ بصوت خفيض ومتقطع ومكلوم..اعطوني قطرة ماء.. وقبل ان يأتوها بالماء لفظت انفاسها.


“ايها الاعياء.. انك تقتل يقظتنا”.
شكسبير