قمة الفشل في الكويت

تنعقد في الكويت الدورة السنوية لمؤتمر جامعة الدول العربية تحت مسمى - قمة عربية - ، وهذه القمة فاشلة قبل ان تنعقد لأسباب جُلنا يعرفها ، ولطبيعة الواقع العربي المرير الذي تغطيه الهزيمة والخوف والتبعية والتآمر ، وفي هذه المناسبة يجب القول إن ما يحدث في البلاد العربية ليس بالشيء الهين أو الذي يمكن المرور به من دون إهتمام أو تذكير ، فالعرب هم الوحيدون من بين هذه العوالم من يعيشون الألم والتمزق والفئوية والضعف والإنقسام ، وهم دون سواهم من تُبدد إرادتهم وقدراتهم وثرواتهم في متاهات وحروب وفتن يصنعونها بأيديهم ولا يستطيعون عنها فكاكاً ، وقد قيل إنه قد حدثت ثورات سموها ربيعاً عربياً ولكنه كان كابوساً وقلقاً وفقدان هوية وضياع كبير تعددت فيه مشكلاتهم وتضخمت حتى غدت مستعصيةً على الحل ، هذه الفوضى العربية أرجعت إلينا صدى الماضي بكل ألمه وعنفه وكراهيته لنعيش في ظله الإرتداد والتقزم والسطحية وإنعدام المعنى ، حتى صرنا نتقاتل على الأسم وعلى الهوية وعلى الكنية وعلى المنطقة وتقسمنا وضعنا وهذا هو واقع الحال ، وهاهم العرب يلفظون أنفاسهم الأخيرة بين مفخخة وإنفجار وعملية إنتحارية وفتنة المذاهب والطوائف والكيانات التي زادت النار إشتعالاً بينهم فارضةً عليهم القهر والإنحراف والتشظي ، إن ما يحز في نفسي ونفس كل عربي غيور هذا التزوير للتاريخ وللجغرافيا وللضمير وهذا الانحراف المفروض على كل الاقطار العربية ، ويحز في نفسي أكثر إن أحلام العرب البسطاء عن العدل والحرية ونظام التكافل قد ولت وأستبدل محلها الضغينة والكراهية والدسيسة في ظل قوى غاشمة ومنظمات متطرفة تمارس العنف والارهاب والتعذيب ، وهناك في دولنا ومن دولنا العربية من يمد هذا العنف بأسباب الوجود والدعم على كل الصعد ، والمضحك إن فيهم من يتحدث ألينا عن الديمقراطية وهو راكس في وحل الطائفية ومخلفات الماضي يمد الإرهابيين بكل وسائل التخريب والفشل ويخرب على الآمنيين حياتهم وعيشهم الذي كان ، وقد كان أحرى بهؤلاء مساعدة الشعوب العربية لتتخلص من التأخر والجهل والفقر والتخلف والأمية والمرض ، ولكن ورغم ما ينتاب الشعوب العربية من هذا الإجحاف القهري يتندر ذوي اللحى الطويلة بدماء الناس فيقتلونهم عمداً وحنقاً وكيداً وهم يكبرون الله ويحمدونه ، رأينا هذا في العراق ورأيناه في سوريا وفي مصر كما رأه العالم أجمع ، وهذا الجرح بعد لما يندمل يجمع الحاقدون فلولهم لضرب مؤوسسات المجتمع والدولة والنظام ، ولعلكم تسمعون وترون هذه المهالك في شوارع العراق وساحاته ، ثم يظهر علينا إتحاد علماء السوء من قطر ليتباكى على مصير المسلمين في العراق وفي مصر وفي سوريا ، متجاهل هذه العصابة فتاواها وحقدها وتأليبها الناس ضد بعضهم البعض الآخر ، لهذا نقول : لقد سئمنا جلسات العرب وتجمعاتهم التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، سئمنا هذا التجوقل والمال المهدور المصروف على المظاهر والمباهات والدجل والتزييف من أشباه الرجال ، إن حاجة العرب اليوم إلى فتح الباب أمام الديمقراطية وإحترام حرية الشعوب وخياراتهم ، ومن دون حاجة إلى التصادم والتقاتل وهدر المال والأنفس . إن العرب اليوم ليسوا في حاجة إلى مؤتمر إنما حاجتهم تكمن في إخراجهم من هذه الدوامة ومن هذا الدين المريض الذي يبيح الأعراض والأنفس ، إن العرب يمرون بأخطر مرحلة من تاريخ حياتهم وهذه الخطورة دليل واضح على خطورة المرض وعمق التشويه الذي أصاب الجسد والروح والضمير العربي ، وإذا كان ممكناً القول فإن الوعي العربي قد أهتز وأضمحل وتحول الشعب العربي إلى مصدر مُغذي للإرهاب والفتنة في العالم ، ولم نجد من قادة العرب من يعمل على رفع ذلك الإضمحلال والإهتزاز بل ركزوه وجعلوه عقيدة ودين ، وتحول الإنسان العربي إلى قاتل مرتزق تحركه أموال العرب السحت وقادتهم الفاشلين ، وأما القول فإن للعرب إمكانيات لا متناهية فإنه قول صحيح لكن هذه الإمكانيات تكمن في بعض رجالهم وفي بعض أحزابهم وفي بعض سياسيهم ، وهذه الإمكانيات مستمدة من روح وطبيعة توارثوها تتحدث عن منطق رفضوا فيه أن يكونوا جسراً أو سوقاً أو محطة نزول ، وإذا تمسك هذا البعض من العرب ووعوا طبيعة مرحلتهم حق الوعي فانهم سيتخلصون من كثير من المخاوف والوساوس ودواعي التردد ويزدادون ثقة بصحة سيرهم واقدامهم ، ذلك لأن طبيعة المرحلة التاريخية التي يمرون بها لا تقبل التجاهل أو الإحتمالات ، وهي تحتاج فيما تحتاج إلى رجال مخلصين شجعان مبادرين ولقد شجعتني تجربتي مصر وثورة الجيش والشعب فيها على أوكار الظلام كما إني متفائل بما يقوم به الجيش والشعب في العراق وهو يتحمل الجهد للخلاص من هيمنة القوى الإرهابية التي تخترق حدوده كل يوم ، إن نجاح العراق ومصر يعني نجاح للعرب جميعاً تلك هي الحقيقة فسلامة مصر والعراق يعني سلامة العرب من الزوال والإنحدار ، هكذا أرى الواقع والمستقبل وكلما تجمع الشر والظلم عليهما كلما قوا عودهما وأستقام ، وهنا أعود لقمة الفشل في الكويت كي أقول إنه فشل في الخطاب وفشل في التراكيب وفي الجمل وفشل في عدم الصراحة وعدم الإعتراف من قبل البعض بالذنب ، هكذا وجدنا البعض يصر على جعل سوريا مسرحاً للقتال مع بعضهم مستغلين شعبها المسكين المغرر به والحالم بالوهم وبضاع الفرص والمستقبل ، في الكويت تتجمع رواسب الانهزامية واليأس والضعف وإنكار الواقع ، والفضل في ذلك يعود الى هؤلاء المجتمعين أنفسهم فلقد شطروا الجسد والروح إلى أجزاء ، حتى إنهارت فيه القيم والأخلاق فغدونا نرى ماكان غير جائز صرنا نراه واجبا ومعقول في مكابرة واضحة وخداع ، هذا الواقع الذي نرجوا منه خلاصاً ولكن الخلاص لا يكون ممكناً إلاّ حينما نؤمن بحريتنا وبعدالتنا وبأمننا وسلامنا وبكرامتنا وهناك يكون الخلاص ممكناً وواجب ويكون النجاح ممكن وواجب