الازمة السورية

 

يوما بعد يوم تتضح معالم الازمة السورية ومدى عالميتها، من خلال تداخل الاحداث الاقليمية والدولية فيها، لاسيما ان توقعات اغلب المحللين التي رافقت بداية اندلاع الازمة فيها، اشارت الى انها ستكون حربا سريعة وخاطفة تطيح بنظام الاسد على غرار الاحداث التي وقعت في ليبيا واليمن، لكن الواقع المتناقض ودراماتيكية الصراع حرفت بوصلة الزمن الى تجاه آخر.ويبدو ان الولايات المتحدة تستعد لتسويق فرضية اطالة امد الحرب من خلال الاعلان الاخير الذي جاء على لسان خبراء من “المؤسسة من اجل الدفاع عن الديمقراطية” امام “لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ” الذي قال فيه المحلل ديفيد غارتنشتاين “ان السيناريو الاكثر احتمالا هو الذي تتوقعه الاستخبارات الامريكية حاليا، الحرب سوف تستمر لعشر سنوات اضافية وحتى أكثر من ذلك”.وقد اوضح الخبراء، ايضاً، ان موقف النظام السوري أصبح أفضل مما كان عليه في بداية الازمة، كما استفاد كثيراً من الخلافات المتواصلة بين “المعارضة السياسية المعتدلة”، على حد وصفهم، اضافة الى انتشار الحركات الجهادية المتطرفة وصراعها في ما بينها من جهة، ومع الفصائل التابعة لتلك المعارضة، من جهة اخرى، التي غض الطرف عنها ليستفيد من النزاع المسلح الدائر في ما بينها، فيما يستمر الدعم القوي المقدم من حلفاء النظام في روسيا وإيران.ومع فشل المفاوضات في “جنيف 2” حول نقاط التفاوض الرئيسة بين الطرفين، ما زال الجميع يؤكد ان الحل العسكري غير وارد راهناً، وان الحل السياسي هو الاحتمال الاكثر رجوحاً في انهاء الازمة.بالمقابل، فان الداعمين للمعارضة السورية، خصوصاً المتمسكين منهم “بشدة” بخيار سقوط الاسد، مهما كان الثمن، ما زالوا يوفرون الدعم المالي والعسكري بسخاء الى جميع الاطراف التي تقاتل النظام، بما فيها الجماعات المتطرفة، الامر الذي فاقم من خطورة تمدد تلك الحركات واعمال العنف من سوريا تجاه العراق ولبنان صعوداً الى اوربا، التي اعدت العدة لغزوات جهادية محتملة تتم على ايدي ابنائها العائدين من الشرق، الذين اغرتهم الاصوات “السعودية والقطرية” بدعوات الجهاد المقدس، كما حذر من ذلك خبراء اوربيون.ان مدار الفرضية التي اشار اليها خبراء الولايات المتحدة الامريكية حول اطالة الحرب في سوريا لعقد او أكثر من الزمن، هي بالأساس رسالة ذات مضامين موجهة بعناية الى أطراف خاصة، وبالتحديد تلك التي تراهن على تصعيد المواقف العسكرية من دون الحل السياسي من اجل اختصار عمر الازمة السورية المفترض.بمعنى اخر، ان الحرب في سوريا سوف تستمر لعشر سنوات او أكثر من ذلك في حال استمر التركيز على خيار الحل العسكري واهمال الحل السياسي من تلك الاطراف.لرسالة الثانية، قد تعني، في حال بقاء الحرب لمدة عشر سنوات، استمراراً لنظام الاسد في الحكم طوال تلك المدة، وهو أكثر مما يحلم به بشار الاسد وداعموه في الوقت الراهن، وبالنتيجة فان التصعيد العسكري ما زال يصب في مصلحته دون مصلحة الطرف الاخر.ويبدو ان هذا التحذير سيأتي مترافقاً مع زيارة الرئيس الامريكي بارك اوباما الى السعودية، كما سيكون من المرجح الحديث عن جملة تفاصيل تتعلق بسياسة الاخيرة في سوريا والعراق ولبنان، اضافة الى العلاقة مع إيران وما سيتبع الاتفاق النووي، والمرحلة الجديدة في منطقة الشرق الاوسط.وتبقى الرسالة الاكثر اهمية التي تبرز من وراء طرح هذه الخيارات المؤلمة والقاسية، هي دعوة للجميع من اجل تقديم التنازلات والعمل على الخيارات المتاحة للحفاظ على ما تبقى من سوريا، ومنع اشتعال منطقة الشرق الاوسط، التي من المتوقع ان تحدث فيها الكثير من الفتن في حال استمرار الحرب الطائفية المدارة من الجماعات المتطرفة، كالتي تحدث في سوريا، وان تستمر لعقود من الزمن.ويبدو ان الولايات المتحدة الامريكية ماضية في طريق تشكيل تحالفات جديدة مع او بدون حلفائها التقليديين في المنطقة، ربما لوضع خارطة معينة قد تتضح معالمها في الاشهر القليلة ال