محنة القوارير السورية...وشهامة العرب..!! |
تركن احلامهن تتدثر بسباتها في أزقة المدن البعيدة وجدران منازلها العتيقة، من كن مكرمات في بلدهن، بعد أن صيرهن العنفمشردات يعشن مع ما تبقى من أسرهن أوضاعا معيشية صعبة في مخيمات ومراكز إيواء أعدت على عجالة بالاستناد إلى ما متاح من الإمكانيات، فأصبحن مفجوعات لا يمتلكن غير صدى السنين الحاكي بعيدا عن وطن يحاصر الموت أهله من كل جانب، جراء شدة التوترات والتقلبات المصاحبة للأعمال العسكرية التي تعيشها سوريا منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام تحت خيمة التغيير التي تعد امتدادا لموجة أحداث ما يعرف بـاسم ( الربيع العربي ) الذي أفضى إلى القضاء على عشرات الآلاف من الأهالي، وجرح وإعاقة أعداد أخرى من السكان، فضلا عن كارثة سوريا الحقيقية المتمثلة بتشريد طيف واسع من شعبها، ودمار أغلب مدنها وانهيار بناها التحتية. وهو الأمر الذي فرض على كثير من القوارير السورية الجنوح صوب امتهان التسول في أغلب عواصم البلدان العربية وأبعد مدنها.
ولا أخطئ القول أن بعض البلدان العربية التي تتبجح باعتماد الإسلام مصدرا رئيسا لتشريع دساتيرها، وتحكمها تعاليم سماوية وأعراف اجتماعية وقوانين وضعية، تناسى بعض ولاة أمورها وأهليها غيرة العربي وتقوى المسلم المؤمن، فارتضوا لأنفسهم أن تكون أسيرة شهوات مريضة حيال اللاجئات السوريات اللائي يواجهن مشكلات ضعف الأمن وصعوبة الحصول على الخدمات الأساسية، عوضا عن استضافتهن في أوطانهم التي قد تكون عرضة في القادم من الأيام لأحداث جسام، ربما تفوق بقسوتها وتداعياتها المحنة الوطنية التي سيق إليها الشعب السوري.
إن ما أعلنته منظمة (هيومن رايتس ووتش) الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في شهر أيلول من العام الماضي 2013 م، من أن اللاجئات السوريات في لبنان يتعرضن للتحرش الجنسي والاستغلال من قبل أصحاب العمل ومُلاك المساكن وموزعي المساعدات من الجمعيات ذات الطابع الديني، إلى جانب امتناعهن إبلاغ السلطات المحلية عن هذه الوقائع؛ بالنظر للخشية من الانتقام منهن من قبل الجناة أو اتخذ السلطات إجراءات القبض عليهن بتهمة عدم امتلاكهن أوراق تراخيص إقامة قانونية، يعيدنا إلى ما بعض ما اختزنته الذاكرة العربية المتعبة بهموم الجهل والاستلاب والإذلال والتخلف من وقائع مأساة ( المسلمات البوسنيات )، اللائي وفدن إلى القاهرةمضطهدات ومشردات هربا من جحيم أساليب العصور الوسطى الدموية المتمثلة ببطش حرب إبادة الإرهاب الصربي الذي أعاد بقسوة جرائمه مجتمع ثورة المعلوماتية إلى ظلام أزمنة غابرة في أعقاب حرب الإبادة التي شنها الصرب على مسلمي البوسنة وأفضت همجيتها إلى استشهاد ( 300 ) ألف مسلم، فضلا عن اغتصاب أكثر من ( 60 ) ألف امرأة وطفلة، إلى جانب التهجير العرقي لمليون ونصف مواطن مسلم على خلفية انهيار دولة يوغسلافيا السابقة، ليجدن أنفسهن غير آمنات بجوار ( الأزهر الشريف ) في سوق نخاسة النزوح الإجباري والحاجة المرة لسقف يأوي قوارير زائغات البصر من هول مأساة بلدهن التي لم يحرك المجتمع الدولي حيالها ساكنا، فضلا عن ضعف آليات المنظمة الأممية في مواجهة واقع مرير أضاف أعباء ثقيلة على جسامة معاناتهن، حيث هرع كثير من مدعي الحرص على بيضة الإسلام الذين يتبجحون بكونهم أصحاب شهامة ومروءة؛ لاقتناص الجميلات البوسنيات ( الاخوات في الدين الأرامل منهن أو العذارى ) اللائي يفترشن ما متاح من الفضاءات المتاخمة لجامع الأزهر الذي أنشئ في عام 970 م، ويعد الآن من أهم المساجد في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي، ثم ما لبث أن تخلوا عن معظمهن بعد أن أطفئوا نيران شهواتهم وهم يرقصون على جراح نساء منكوبات في مهمة أقل ما يشار إليها بالمهينة.
ومن جملة مظاهر النكوص العربي في الألفية الثالثة التي كشفتها ظاهرة اللاجئات السوريات هو استغلال رجال دين متقدمين في السن ظروف اللاجئات السوريات المعيشية وزواجهم من قاصرات دون سن الخامسة عشرة تحت ذريعة ستر الأخوات في الدين الذي فرض على بعضهم تطليق زوجته السابقة!!!. والصورة الأخرى التي لا تقل بشاعة عن سابقتها تتمحور حول قدوم رجال أردنيين إلى أماكن ايواء اللاجئات السوريات بحثا عن عرائس صغيرات السن وهم مقتنعين برؤى تتيح لهم التعامل معهن بكبرياء، بوصفهن نساء يتمتعن بمنزلة اجتماعية أدنى؛ لأسباب قاهرة تتعلق بتداعيات محنة اللجوء التي فرضت قسرا على قوارير سوريا!!!، إضافة إلى أن الزيجات المترتبة على مجمل هذه التصورات الوضيعة، التي ربما يكون بعضها مؤقتاً، من شأنها تعريض نساء مسلوبات الإرادة يبحثن وسط المجهول عن لقمة عيش إلى خطر الاستغلال بمختلف مفاهيمه، إلى جانب زيادة مساحة تعرضهن للأذى في ظل الافتقار إلى ما يكفي من أدوات التوثيق، فضلا عن اختلال الأمان المالي؛ بالنظر لمحدودية خيارات موارد الدخل وقلة أماكن الإيواء التي تقود من دون أدنى شك إلى المساهمة في احتمالات خطر تعرض اللاجئات السوريات إلى استغلال ضعفاء النفوس من أرباب العمل ومالكي المنازل أو البنايات الخاصة، فضلا عن المساهمين غير الرسميين العاملين في مجال توزيع المعونات.
ومثلما كان جنود القوات الدولية العاملين تحت ولاية الأمم المتحدة من أجل حفظ السلام في البوسنة يشاركون الصرب أشهر جرائم الحصار والإبادة الجماعية عبر سهرهم ورقصهم مع الصرب في حصار (سربرنتسا )، فضلا عن مساومة بعض من ذوي القبعات الزرق المرأة المسلمة على شرفها مقابل لقمة طعام، انتقلت حمى زيجات إذلال اللاجئات السوريات إلى الطبقة السياسية في البلدان العربية، ومن جملة ذلك شروع وزير يمني بتطليق زوجته التي له منها خمسة أبناء، فضلا عما تحملته معه من أعباء الحياة ومنغصاتها منذ أكثر من ( 20 ) عاما. ومن المضحكات المبكيات أن سعادة الوزير ما يزال يحب زوجته ويكن لها الجميل والمودة، غير أن أبغض الحلال ما حدث إلا بسبب رفضها زواجه من إحدى السوريات اللاجئات اللائي أصبحن حديث الشارع اليمني بالاستناد إلى جمالهن الأخاذ بحسب بعض روافد الأعلام العربي الملتزم بشرف المهنة !!. وعلى الرغم من تطمينات وزير الداخلية الأردني نهاية العام الماضي، في القضاء على تجاوزات أمنية واتجارا بالبشر وزواج قاصرات وتهريب وغيرها في مخيم الزعتري للاجئات سوريات شمالي الأردن، فأن منظمة العفو الدولية أكدت في تقرير لها، أن لاجئات سوريا في مخيم الزعتري يعشن في ظل الخوف من العنف الجنسي أو المضايقة الجنسية، ويخشين الذهاب إلى المراحيض لوحدهن في الليل خوفاً من التعرض للتحرش الجنسي. وقد توافق هذا الإعلان مع إشارة أطباء إلى أن النساء في المخيم، أُصبن بالتهابات بولية على نحو متزايد نتيجةً لمنع أنفسهن من استخدام المراحيض بشكل متكرر ولفترات طويلة.
وعلى الرغم من بشاعة ما أشيع عن واقع اللاجئات السوريات الذي جسده الأعلام العالمي بما تناولته قبل أيام صحيفة ( تايمز أوف انديا ) الهندية بتقرير أشارت فيه إلى أن ( الحاجة دفعت ببعضهن التوجه نحو البغاء للبقاء على قيد الحياة )، فإن واقع الحال يؤشر تعرض بعض اللاجئات السوريات إلى عدد من التجاوزات والممارسات، مثل الزواج بالإكراه والاتجار بهن وسياسة الارغام على الدعارة، ومبادلة المساعدات الصحية والاجتماعية مقابل الجنس. ولأني لا أرغب بالتوسع في بحث التداعيات التي أفرزتها هذه القضية الملتهبة، فحسبنا بعض العناوين الرئيسة التي تداولتها الصحف العربية ضمن هذا السياق، ومن جملتها ( يستغل البعض حاجة السوريات للدفع بهن للعمل في الدعارة وممارسة التسول في شوارع صنعاء ). و( الزواج بسوريات بشروط خاصة وفي مراكز سرية لا تعلم بها السلطات )، إصافة إلى ( استقدام السوريات الجميلات وبأسعار متدنية أدى الى تزايد العنوسة بين اليمنيات )، و( جمعيات ومراكز دينية تتولى مهمة استقدام السوريات وعرضهن للزواج على أشخاص يمنيين أو تهريبهن للسعودية ).
ويقينا أن هذه النماذج القليلة من قذارات الصحافة العربية تشكل وصمة عار في جباه قادة العرب وجبين إعلامهم؛ لتعارضها مع تعاليم السماء، والقوانين الوضعية المعنية بحقوق الإنسان وكرامته، فضلا عن مجموعة الأعراف والتقاليد التي تحكم المجتمعات العربية والشرقية.
ولا أحد يعلم ماذا سيكتب التاريخ عن واقع اللاجئات السوريات الأليم الذي تعتريه كثير من التجاوزات والممارسات التي تشكل في واقعها الموضوعي انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان؟، وماذا ستقول الأجيال القادمة عن دعوة (ليسل غيرنهولتز ) مديرة قسم حقوق المرأة في منظمة ( هيومن رايتس ووتش ) الحكومة اللبنانية ووكالات المساعدة الإنسانية إلى فتح عيونها أمام التحرش الجنسي والاستغلال الذي تتعرض له اللاجئات المستضعفات، وأن تبذل قصارى جهدها لوقف هذه الانتهاكات )، فضلا عن قولها أن ( النساء اللاتي هربن من الموت والدمار في سوريا يجب أن يجدن ملاذا آمنا، وليس تحرشا جنسيا، في لبنان )؟. |