الخبير الفنزويلي في الممتلكات الثقافية "فرناندو باييث" ينشر بحثه حول لغز الكتب المتلفة من مكتبة بغداد (الجزء الثاني)

ترجمة وتحرير: العراق تايمز

 

في ظل اهتمام البعض بتسجيل اهم الخسائر المادية التي تكبدها العراق ابان الاحتلال الانجلو امريكي للعراق قبل عشر سنوات، قام الكاتب والروائي الفنزويلي والخبير في شؤون المكتبات "فيرناندو باييث" بنشر بحثه حول الخبايا التي تكمن وراء التدمير الثقافي الذي مورس على العراق في فترة الحرب، وهو البحث الذي اشتغل عليه طويلا وتكبد من أجله عناء السفر الى بغداد رغم الظروف الأمنية الحرجة آنذاك.

في هذا البحث الذي أدرجه في كتاب أسماه "الهجمة الثقافية على العراق ولغز اتلاف الكتب من مكتبة بغداد" استطاع فرناندو ان يقربنا من تفاصيل رحلته الى بغداد وما توصل اليه في بحثه المستفيض حول اللغز المحير وراء تدمير اكثر من مليون كتاب ووثيقة نفيسة التي كانت تعد كنزا من الكنوز الثقافة في بلاد الرافدين.

 

 نترككم مع تتمة اهم ما جاء به الكتاب

بمجرد ان أن انتشر خبر الاطاحة بنظام صدام حسين، وأصبحت الشائعة يقينا ،نزلت موجة من البشر التي كانت مقموعة ومحرومة بسبب الحصار الاقتصادي في ظل ديكتاتورية لا ترحم، انطلق العشرات من المواطنين في الشوارع نحو القصور وبيوت القادة العراقيين من أجل نهب ما بداخلها دون رادع، إذ حتى المستشفيات تم نهب الاسرة منها.

ليست قليلة هي الاماكن التي كانت تعتبر رمزا للنظام  وتعبر عنه مما جعلها عرضة   للنهب العنيف بين 9 و10 من ابريل 2003 .لقد عرف اليوم العاشر تجمع حشود من الناس داخل المكتبة من أجل افراغها من ما تحتويه من كنوز ثقافية لا تضاهى، و لم  تكن حينها اي وحدة عسكرية تقوم بحراسة المبنى.

بعد أن عمت الفوضى أرجاء البلد، هب الجميع من أجل سرقة المكتبة، من أطفال ونساء وشيوخ الا ان المضحك المبكي في الأمر أن السرقة كانت على أساس انتقائي  كما لو انهم ذهبوا للتسوق.

كانت أول مجموعة للناهبين مدعومة من اشخاص من خارج المكتبة تكلفوا بمهمة المراقبة، لقد كانت تعرف جيدا  اين توجد المخطوطات الاكثر اهمية وسارعت في اخدها. ثم أتت بعدها حشود أخرى ركضت في كل زاوية من زوايا المكتبة محملين بالكتب القيمة وآلآت التصوير، ورزمة من الورق  واجهزة الحاسوب والطابعات وقطع الآثات والاجهزة التي كانت قد تبرعت بها اليونيسكو للمكتبة.

وفي الجدران تركوا كتابات ك"الموت لصدام" "صدام الطاغية".

بعد بضع ساعات ولسبب غير مفهوم دخل أحد الأشخاص وقام بتصوير ما يجري  ببطئ وتأني، ثم بعدها اختفى دون أثر.

 ربما في يوم من الأيام سنرى هذا الشريط الحزين، الذي سيكشف عن وجود سر غريب كسر حرق مكتبة الاسكندرية.

ان اللغز المحير في هذا كله أن الناهبين و كانهم كانوا يعلمون ان الجيش الامريكي لن يطلق النار عليهم ولن يحاسبهم أحد.

النهب  تكرر مرة اخرى بعد مرور أسبوع واحد ، ثم تفاجئ الجميع بقدوم  مجموعة من الحافلات الزرقاء لم تكن عليها أي اختام رسمية يوم 13 أبريل، نزل منها أشخاص قاموا برش الوقود على رفوف المكتبة وأوقدوا النار فيها، وكان برود القوات العسكرية التي كانت متواجدة في الشوارع سببا ساعدهم وشجعهم على ذلك.

افادت مصادر انهم قامو باستعمال المحارق والفوسفور الابيض  بعد أن مدتهم بها بعض المصادر العسكرية من اجل اشعال الحريق، وتوجد دلائل قاطعة شاهدة على ذلك.

وبعد بضع ساعات من اشعار الحريق كان عمود دخان يرى من بعد كيلومترات  اخفى كل البنايات عن الانظار وان من بين الاضرار الاخرى  تم حرق الآلآت القديمة وبعض الصحف، في الطابق الثالث، مكان تواجد  الملفات المصورة التي لم يبقى منها  شيئ، فهول الحريق اتلف حتى الارضية الرخامية . الكل تحول الى خراب.

لقد اختفت ايضا من الطابق الثاني الملايين من الوثائق التي تعود الى الحقبة العثمانية  وبعض السجلات والمراسيم، في ذلك الطابق وحده كان يضم 85 عاملا .

عندما طلب من وزير الدفاع الامريكي دونالد رامزفيلد التعليق على ما حدث لم يجد غير هذا التعليق ذريعة " الناس احرار واحرار في ارتكاب اثام و هذا لا يمكن الوقاية منه"

المدير السابق للمكتبة رثى بحنين الواقعة وقال " لم تكن هناك وحشية مماثلة حتى في عصر المغول اشارة الى جيش هولاكو سليل جنكيز خان عندما عزوا بغداد ودمروا كل كتبها ورموها في نهر دجلة .

هذا الضرر الكبير الذي اصاب بناية المكتبة  دفع بالمنسقين الثقافيين في حكومة الائتلاف المؤقتة باتخاذ قرار هدمها والبحث عن مقر آخر، قصر أو أي مؤسسة اخرى أو منشاة كالنادي العسكري العراقي. قالوا لي بانهم سيحملون الكتب الى جامعة بكر. الارشيف يمكن ان يوضع في مكان مختلف وسيتم حفظ ما تبقى في اكياس دون ان تتخد اي خطوات رسمية في الحفاط على تلك الكتب.

اما بالنسبة للـ 119 موظف تم دفع رواتبهم دفعت لماما، دون تقديم اي ضمانات على استقرارهم الوظفي.

لقد بلغت الخسائر اكثر من مليون كتاب محروق، بالاضافة الى الكمية الكبيرة من النصوص المفقودة  و الصحف والارشيفات.

كانت الالاف من التبرعات قد اغنت المراكز الثقافية طيلة  سنوات، أما اليوم فمدخل المحفوظات الوطنية مقفول باقفال بادية عليها آثار الحرق الرهيب التي لم تترك مكانا سليما حتى على باب  المصعد والجدران.

انه من الصعب القول في هذه اللحظة ما الكتب التي دمرت والكتب التي لازلت تباع في الشوارع  و اروقة الكتب في شارع المتنبي الذي يمكنك أن تتحصل فيه على  مجلدات المكتبة الوطنية بأثمان بخسة مثيرة للبكاء.في احد ايام الجمعة  وجدت في معرض شارع المتنبي مجموعة من التحف الناذرة و الموسوعات العربية باختام رسمية على اغلفتها، كانت هناك محاولة لمسحها ولكن باءت بالفشل.

وجدت أيضا  كتابا اسود يتكلم عن الثقافة اليزيدية، التي هي مجموعة دينية تعيش في شمال العراق ، هم من عرق غريب، يعرفون أيضا كبعبدة الشيطان الذي يتخد شكل الطاووس أو ما يسمونه هم بالطاووس الملكي .اليزيديين يقولون بن الله قد غفر للشيطان و انه يعيش بجواره . وبلاسباب رمزية يكرهون اللون الازرق، ويصنعون المعابد يحجون اليها ولا يذهبون الى مكة ولكن الى قبر الشيخ عدي قرب الموصل .

من بين نصوص اخرى التي اختفت من المكتبة، طبعات قديمة من الف ليلة وليلة والاطروحات الرياضية لعمر الخيام  والاطروحات الفلسفية لابن سينا و ابن رشد والكندي والفارابي و رسائل الشريف الحسين في مكة المكرمة، بالاضافة الى نصوص ادبية لكتاب جامعيين مثل التولستوي وبورخيس وساباتو  وكتب تاريخ الحضارة السومرية.

انه المؤسف ان يتم  تدمير هذه الكتب في القرن الواحد والعشرين وتوجد من بينها كتب تم  كتابتها منذ 3200 قبل الميلاد.لحسن الحظ تم انقاد العديد من الكتب عبر نقلهم لاماكن سرية في مناطق بعيدة من المكتبة، ان قصة هذا المجهود في انقاد الكتب يؤكد الحب الكبير الذين يكنونه العراقييون للثقافة، الان لازال على سبيل المثال 500.000 مخزنة في الطابقين الأول و الثاني في حافظات غير مصنفة .

مهمة حفظ الكتب قام بها بعض العمال الشيعة، وبالاضافة الى هذه الكتب، أمر  الساجد عبد المنعم الموسوي، وهو زعيم ديني مخلصيه بانقاذ 300.000 كتاب، تم نقلها في شاحنات الى مسجد الحق. حيث قاموا بتكديسها على شكل صفوف غير متناهية،وصلت غالبها الى السقف. لم يتردد في التحذير  بان الظروف سيئة ومن المحتمل بأن تهاجم بعض الحشرات النصوص بالرغم من ان محمد الشيخ حجيم حاميها يرى ان الاسوأ كان تدميرها، وليس مهاجمة الحشرات.

ان هناك 100.000 كتاب ايضا مخزن في مؤسسة تابعة لوزارة السياحة، الكثير من المثقفين العراقيين اروني كتب مخباة في منازلهم وعدوا بارجاعها الى ان يعود النظام او يذهب الاجانب اي الاحتلال من بلادهم، كان هناك  رسام ايضا لم يرد الكشف عن هويته اشترى من معارض الكتب عشرات من النصوص فقط من اجل الاعتناء بها والمحافظة عليها .

اكبر جزء من الكتب كان موضوعا فيما كان يسمى قبل بمدينة صدام  تم نهبها، وفي المتحق الاثري تم نهب اقراص فيها عينات الكتابة الاولى، ثم حرق اكثر من 700 من المخطوطات القديمة و 1.5000 اختفوا من مكتبة الاوقاف في وزارة الشؤون الدينية، التي كانت هي الاخرى عرضة للفوضىى والخراب.

في بيت الحكمة مئات من المجلدات تم ابادتها بالنار، وفي اكاديمية العلوم العراقية "المجمع العلمي العراقي" 60 بالمائة من النصوص تم حرقها  .

من تسبب في هذا الدمار؟ اكبر المسؤولية تتحملها الادارة الامريكية الحالية التي رفضت كل التحذيرات وانتهكت اتفاقية لاهاي لسنة 1954  بعدم حمايتها للمراكز الثقافية وشجحعت نهبها.

ربما هذا هو السبب الذي دفع بالرئيس الامريكي جورج دبليو بوش بطلب الحصانة للضباط والجنود تحصنهم امام أي محاكمة في المحاكم الجنائية الدولية، وهو نفس السبب الذي جعله يتخذ قرر اعادة الانتساب الى اليونيسكو وبعث زوجته من اجل التفاوض على المناصب التنفيدية داخل هذه المنظمة، التي اقدم فيها على اقالة كل المستشارين الذين لا يخدمون مصالح بلاده وقام باسكات كل الانتقاذات ، وبالمثل انا  احمل  المسؤولية لنظام صدام حسين لانه قام باستعمال المراكز الثقافية  كقواعد عسكرية واخضاع المكتبات  الى خدمة ايديولوجية واحدة ، مع موافقة مجلس الادارة في حزب البعث سمحوا تركيب مستودعات الذخيرة والقناصة  في النقاط الاستراتيجية التي عرضت الارث الثقافي للخطر.

يجب ان اشير ايضا الى ان وجودي في بغداد انتهى ب 22 مايو ، حيث اقلعت بنا الطائرة الى اكسفورد وبعدها الى فيينا ، ثم قمت بعدها بتحرير ما توصلت اليه من معلومات  قبل ان تصبح تصريحاتي ومقالاتي عرضة للتهديد ، لقد تلقيت اهانات وسب وشتم لان عملي هذا تسبب في ازعاج دولة الائتلاف المؤقتة لان من بين اهم قواعد ادعاية الامريكية هي عدم اظهار كل ما يجري في الساحة العراقية .

من المعروف أن اثنين اوثلاث  من الجنود الامريكيين كانوا  يموتون يوميا  في العراق ولكن لم تقدم الولايات المتحدة الامريكية في اي يوم من الايام  اعداد الجرحى والمشوهين، لم تعلن كم من الجنود الامريكيين الذي ينتحرون من هول ما رأوه في العراق، ولم تفصح عن اسماء العملاء العراقيين الذين كانوا ينسقون مع الاحتلال الاجنبي.

في سبتمبر لقد هوجم بييرو كوردوني وسائقه فارق الحياة. وبعدها المنسق الجديد للمكتبة تعرض لمحاولة اغتيال وبقى اعمى لأن هناك شاب قام بالقاء الحمض على وجهه.هناك الكثير من عاملي المكتبات معتقلون واكثر الموظفين السابقين يخافون من قول الحقيقة كاملة."ان الضحية الحقيقة في  الحرب هي الحقيقة".ان هذه العبارة  لم يصغها  فيلسوف او صحفي. لقد قالها عضو في الكونغرس الامريكي هيرمان وارين جونسون في 1917.وان احداث الهيروشيما ،ناكازاكي و فيتنام واثيوبيا ولبنان افغانستان والعراق لا تتوقف فيهم ضياع هذه الحقيقة .