حذاري من كذبة نيسان

 

ينتظر البعض من الناس اليوم الأول من شهر نيسان بفارغ الصبر لإطلاق النكات والدعابات المختلفة على أشخاص آخرين، قد يكون من باب الدعابة أو من باب السخرية، وبالعراقي (ينصب عليه ) إذ يكثر الكذب في ذلك اليوم تحديدا لوصفة بـ (كذبة نيسان)، وذهبت أغلبية آراء الباحثين على أن كذبة نيسان تقليد أوروبي قائم على المزاح ‏يقوم فيه بعض الناس في اليوم الأول من نيسان بإطلاق الإشاعات أو الأكاذيب ويطلق ‏على من يصدق هذه الإشاعات أو الأكاذيب اسم (ضحية كذبة نيسان ) ،ولكن الكذب خصلة ذميمة وصفة قبيحة وعمل مردود وظاهرة اجتماعية انتشرت مع الأسف في أوساط الكثيرين ،وكم رأينا وسمعنا لهذه الكذبة من عواقب سيئة وحقد وضغائن وتقاطع بين الناس ،وكم جرت هذه الكذبة على الناس من ويلات بين الأصدقاء والأخوة وبين أهل البيت الواحد ،وكم عطلت على الناس من مصالح ، وكم أوقعتهم في خسائر مادية ومعنوية وغير ذلك، بسبب هذا التقليد المتبع من عهد قديم ، ونود ان ننوه بأن نيسان (إبريل) اسم مشتق من الأصل اللاتيني (ابريليس( Aprilis في التقويم الروماني القديم ، وقد يكون مشتقًا من الفعل اللاتيني ) فتح( Arerire دلالة على ابتداء موسم الربيع، وظهور البراعم وتفتح الأزهار، وان الرومان قد خصصوا هذا اليوم الأول من شهر نيسان لاحتفالات (فينوس) والتي هي عندهم تعني رمز الحب والجمال والضحك والمرح ، ويرى البعض أن هذه البدعة تمتد إلى عصور قديمة واحتفالات وثنية، لارتباطه بتاريخ معين في بداية فصل الربيع، إذ هي بقايا طقوس وثنية ، ويقال ان أول كذبة نيسان ورد ذكرها في اللغة الإنجليزية في مجلة كانت تعرف بـ (مجلة دريك) DRAKES NEWSLETTERS ففي اليوم الثاني من نيسان عام 1698م ذكرت هذه المجلة أن عدداً من الناس استلموا دعوة لمشاهدة عملية غسل الأسود في برج لندن في صباح اليوم الاول من نيسان .

أما في ديننا فقد ثبت عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أنه يمزح ولكنه لا يقول في مزاحه إلا حقًا وفيه تطييب لنفس الصحابة، وتوثيق للمحبة، وزيادة في الألفة، وتجديد للنشاط والمثابرة، ويرشد إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لو تداومون على ما تكونون عندي من الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) ويجدر الإشارة إلى أن كثرة المزاح مخلة بالمروءة والوقار كما أن التنزه عنه بالمرة وتركه مخل بالسيرة النبوية، وخير الأمور أوسطها ومن مفاسد كثرته أنه يشتغل عن ذكر الله، ويؤدي إلى قسوة القلب، ويؤدي إلى الحقد وسقوط المهابة، ويورث كثرة الضحك المؤدي إلى قسوة القلب، وبالجملة فالمزاح ينبغي أن لا يتخذ حرفة ودندنًا.

وإلى جانب المواقف المضحكة من جراء كذبة نيسان هناك مآسٍ باكية حدثت ، فقد ‏حدث أن أشتعلت النيران في مطبخ إحدى السيدات الإنكليزيات في مدينة لندن فخرجت إلى ‏شرفة المنزل تطلب النجدة ولم يحضر لنجدة السيدة المسكينة أحد إذ كان ذلك اليوم ‏صباح أول نيسان ، ومن أشهر ما حدث في أوروبا في أول نيسان أن جريدة (ايفننج ستار) الإنجليزية أعلنت في 31 مارس ( آذار) سنة 1846م أن غدًا -أول ابريل- سيقام معرض حمير عام في غرفة الزراعة لمدينة اسلنجتون من البلاد الإنجليزية فهرع الناس لمشاهدة تلك الحيوانات واحتشدوا احتشاداً عظيمًا، وظلوا ينتظرون، فلما أعياهم الانتظار سألوا عن وقت عرض الحمير فلم يجدوا شيئا فعلموا أنهم أنما جاؤوا يستعرضون أنفسهم فكأنهم هم الحمير!

وأما ما حدث في الخليج العربي والسعودية على وجه الخصوص في نيسان 2009 فقد روج عن وجود مادة الزئبق الأحمر في ماكينات الخياطة من نوع سنجر (أبو الأسد) القديمة، وأصبح الجميع يبحثون عن هذه الماكينات في كل مكان ووصلت أسعارها في بعض المناطق في السعودية ما يقارب المائة ألف ريال.

مسك الكلام ، كان الأجدر بنا ان نخصص يوم للصدق لا أن نخصص يوم لهذه الخصلة الذميمة  والمتأصلة في نفوسنا وان نسمي هذا اليوم يوم الصدق العالمي .