نحن العراقيون سباقون في اطلاق التسميات الشعرية الجميلة على مظاهر حياتنا, ولكن لسنا في كل كلمة دقيقي التسمية, وكأن القاعدة الشعرية الذهبية هي التي تفرض نفسها اغلب الاحيان ومفادها ابلغ الشعر اكذبه. خطر لي هذا وانا اشاهد العراقي الجميل والبريء وهو يصف الخطوط الجوية, المسماة بالطائر الأخضر وطائر السنونو . وكأني بالشاعر الرصافي حين قال ذات يوم : اسماء ليس لنا سوى القابها اما معانيها فليست تعرف الخطوط الجوية في اي بلد رمز جميل يدور في الفضاء معلناً اسم دولة ومعرفاً بها وبعراقتها وضيافتها ومصداقيتها وضبطها اضافة الى اناقة وجمال ذلك البلد. اذاً هي رسول امين وعلم متنقل للوطن العراقي عبر الاثير وفي مطارات العالم. هذا هو الحلم والامل. اما الواقع فانه مرٌّ وقبيح وغير قابل للتصديق, فبعد اكثر من عشرة اعوام لم يستطع "طائر السنونو" ان يتلائم مع الوقت ومواعيد الطيران حيث التأخير في الهبوط والاقلاع هي القاعدة واحترام التوقيتات هو الاستثناء, اقول هذا لانني احد المضطرين لاستخدام هذه الخطوط بشكل متواصل ككل المسؤولين الاخرين. وكم مرة دخلنا في نقاش عبثي مع موظفي الخطوط والمطار طالبين تحسين الخدمة والطعام وطريقة التعامل مقابل اسعار التذاكر التي يدفعها المواطن للحصول على شيء من الراحة والاحترام . لاشيء في هذا الطائر يشبه السنونو سوى لونه اما طيرانه وخدماته وابتسامته وضيافته فهي امور حدث عنها ولا حرج. وجاءت قضية اعادة الطائرة اللبنانية كحدث غير مسبوق في عالم الطيران, لتقصم ليس ظهر بعير واحد وانما قطيع كامل من الاباعر. فالحادث لم يكن سوى نتيجة تراكم الاخطاء والنواقص والتخلي المتواصل عن المعايير الدولية في مجال الطيران المدني. واللافت ان مسؤولي الطيران المدني والخطوط الجوية العراقية لايعيرون للقانون الدولي اي اهتمام ويراكمون الخطايا ولا اقوى الاخطاء بحق المواطن, ففي الوقت الذي امتنعت الطائرات الالمانية والنمساوية عن الهبوط في مطار بغداد الدولي اثر مخاوف جدية بعد سلسلة الصواريخ التي اطلقت عليه او على محيطه, كان بالامكان الابقاء على رحلاتها الى اربيل او اي مطار عراقي آخر لمواصلة خدمة العراقيين القادمين من الخارج الى وطنهم, ولكن السيد المدير العام ارتأى عكس ذلك, فمادامت رفضت القدوم الى بغداد فأن سيادة المدير العام يرفض ان تهبط في اربيل ايضاً، ولا ندري ما سر هذا القرار الذي يزيد الطين بلة ويجعلنا فعلاً في نظر الاخرين مبعثاً على السخرية والضحك بل وعلى البكاء . الخطوط الجوية العراقية مريضة ولا بد ان تدخل غرفة العناية المركزة لاجراء عملية جراحية لها عاجلاً وليس اجلاً . والعملية لا يسلم منها اي مرفق من مرافقها التي تعاني الحمى والسهر والغثيان. ويكون ذلك بالالتزام التام والكامل غير المنقوص بالمعايير الدولية, لجهة التوقيتات الدولية وجداول الرحلات وتحسين الضيافة, وتنظيم المطار وعدم اهانة المواطن بالجلوس ساعات طوال انتظاراً للاقلاع وتعويضه في حالة الغاء الرحلة, واجراء تحسين وتعديل على طاقم الخدمة الارضية وعلى طاقم المضيفات والمضيفين في الجو من خلال رفع رواتبهم واقامة الدورات التدريبية، وقبل هذا وذاك قبول الاجيال الشابة ذات المقدرة والكفاءة في التحصيل العلمي واللغات للدخول الى عالم الضيافة الانيقة التي تعكس وجه الوطن وتقاسيمه امام العالم. ان اعادة الطائرة اللبنانية ألحَقَ ضرراً معنوياً واعتبارياً لا يعوض بالخطوط الجوية العراقية, لاسيما وان الحادث الكارثة كان بسبب تدخلات شخصية ولأجل هدف يتعلق بشخص واحد فقط استطاع فرض ارادته على وطن كامل. ولهذا وانطلاقا ً من هذه النقطة السوداء على "طائر السنونو" اما ان يتوقف عن الطيران أو أن يعتذر لكل مواطن عراقي ويعد للمرة الاخيرة ان يطير في الفضاء حاملاً امنيات السلامة وافتخار العراقيين وهو يتنقل بين مطارات العالم .
|