تزامن الحملة و"الكذبة"

 

لم تبدأ الحملات الانتخابية أمس الاول كما هو مقرر من مفوضية الانتخابات انما بدأ الترويج لكثير من المرشحين منذ أعلنت أرقام الكتل وقبل ان تصدق مفوضية الانتخابات على الاسماء بشكل نهائي . لم تقم وسائل الاعلام التقليدية بذلك ، بل الاعلام الالكتروني وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يمكن السيطرة عليها حتى الان . لكن ذلك لا يعفي مسؤولية المرشحين الذين إستخدموا هذه الشبكة المتاحة للجميع .إنما بقى تاريخ الاول من نيسان موعدا ، ليس لكذبة نيسان وحسب ، بل لبدء الحملات الانتخابية وإمتلاء الشوارع بملصقات النواب بصورهم وشعاراتهم ووعودهم التي وجدها بعض الظرفاء مصداقا لكذبة نيسان .
منذ أمس الاول بدأت وسائل الاعلام المرئي والمسموع والمقروء تغطي تفاصيل الحملات الانتخابية للمرشحين ، بل ان أغلبها بدأ هو الحملة الانتخابية ، كون هذه الاغلبية تعود الى أحزاب أو تيارات أو شخصيات سياسية مرشحة أو لها مرشحين في هذه الانتخابات . هؤلاء هم الاكثر حظا في الترويج لانفسهم او قوائمهم . المحظوظون أيضا هم أولئك الذين يمتلكون الثروة الذاتية او المهداة من الدول والاجهزة الاقليمية الداعمة ، أو تلك المكتسبة من عقود الوزارات والمؤسسات التي شغلوها خلال الفترة الماضية . هؤلاء اشتروا وسيشترون مئات الساعات الاعلانية في محطات عالية التسعيرة . وحدهم المرشحون الفقراء أو محدودو القدرة الانفاقية سيكونون محرومين من الاعلانات التلفزيونية ، والضوئية التي تنير شوارع العراق على مدى شهر . الفرصة التلفزيونية الوحيدة للمرشحين الفقراء ستكون محطات البث العام التي تموّل من المال العام والتي تتيح وحسب القوانين فرصا مجانية متكافئة لكل المرشحين لكنها تبقى محدودة زمنيا .
التفاوت في فرص المرشحين الدعائية لا يمكن معالجته الا بادخال مادة الى قانون الانتخابات تحدد السقف الاعلى لانفاق الانتخابي للمرشح مع كشف لمصادر هذا الانفاق .هذا الامر سيواجه ذات العقبات التي توجه مشروع قانون الاحزاب وما يتضمنه من كشف عن مالية الاحزاب ومصادرها . العراق اليوم ملتقى مصالح العديد من الاطراف الخارجية ، الاقليمية والدولية ، وهو ساحة مفتوحة للمال السياسي الخارجي الذي يغذي ما هو أبعد من التنافس الانتخابي بين الافرقاء السياسيين المتضادين بشدة ، والمسيطرين على المشهد السياسي ، وهؤلاء هم من يمنع أي قانون أو إجراء يحد من تمويلهم رغم توفر وسائل الالتفاف على الامر عبر تعليقه على شماعة "رجال أعمال" ، كان كثير منهم ، بالفعل ، قناة إيصال المال السياسي الاقليمي الى أطراف سياسية حتى الان .
دور الاعلام لن يتوقف عند حدود الدعاية ، كلّ لمن يهمّه أمرهم من المرشحين , فمهما تنافس المرشحون وتعارضوا ، يبقى القسم المشترك هو
العملية السياسية وتقدمها بإزالة كل العقبات التي تعترض طريقها . الاعلام ، وأغلبه الحزبي ، عليه ان يبعث الامل في نفوس الناس ، يدفعهم الى المشاركة الكثيفة في الانتخابات وإختيار من يرون فيه كفاءة ونزاهة على تقديم جديد. المبالغة في القول ان الانتخابات ستحدث تغييرا جذريا ستدفع الناس الى الاحباط بعد الانتخابات اذا لم يتحقق ذلك. الانتخابات هي لاختيار نواب يسنون القوانين ويراقبون تنفيذها ، وليس لايجاد فرص تعيين في الوظائف الحكومية لابناء الناخبين وتوفير الخدمات لهم مباشرة .
عندما يلعب الاعلام دوره في رفع مستوى وعي الناخبين فان الكل يستفيد ، باستثناء أولئك الذين لا يستطيعون الاستمرار الا في ظل الجهل ومنهم الذين لا يريد تطور النظام السياسي ولو كانوا مشاركين فيه من أجل المغانم .