الفقر والعوز والحرمان لا يفهمون معنى الطائفية! |
العراق تايمز - يرى بعض الباحثين والمتتبعين للشأن العراقي، أن موجة التظاهرات التي تشهدها المحافظات العراقية، كانت مفاجئة بالنسبة لمن سيطروا على زمام الامورالسياسية بالعراق، في حين يروها انها - اي المظاهرات كانت ردة فعل عادية ازاء السياسة الطائفية التي انتهجتها حكومة حزب الدعوة التي استلمت الكرسي دون ان يهزها ضميرها الوطني لتعديل الدستور العليل الذي ورثناه عن الحقبة الاستعمارية والذي قسم العراق وفق نظرية طائفية مبنية على المحاصصة التي جلبت الخزي والعار لبلاد الرافدين في حين اعراضها عن تبني مبدأ المواطنة والكفاءة المهنية في اخلاص تام للوطن والالتزم بالقوانين التي تنظمه وفق مواثيق النزاهة والاستقامة وشروط العمل المنتج الذي يعود بالخير العميم على البلد. وعليه فان من ينظرون للوطن من منظور المكونات، واللذين عمدوا - على تصور أن الطائفة الشيعية تعد أكبر مكون للمجتمع العراقي ثم تاتي بعدها الطائفة السنية، ثم الاكراد، ثم التركمان الذي يتم تغييبهم عن المشهد العراقي بالكامل، بالاضافة الى الطوائف الصغيرة الاخرى- هم من أججوا النفس الطائفية ونار الفتنة وجعلت الاختلاف الثقافي نقمة بدل ان تكون نعمة وكنز وجب الافتخار به. كان لابد للقائمين على مصير الشعب العراقي قبل اتهام التظاهرات بالطائفية، أن يستوعبوا أن الفقر والجوع والعوز والفاقه لا تعرف شيعة ولا سنة والمخاطر التي يتعرض لها العراق لا تشمل مناطق دون أخرى أو محافظات دون غيرها، و ان نظرية المكونات هي التي كانت وراء استفحال ظاهرة الارهاب والقتل والاغتيالات. لم تكن المظاهرات وليدة نفسها، بل انبثقت عن الشعور بالظلم والاستقصاء الذي شعرت به احدى (الطوائف)، عندما أدارت الحكومة ظهرها عنهم دون الالتفات لحقوقهم التي يجب ان تكون متساوية مع حقوق الطائفة التي تمثلها الحكومة فلم تجد خيارا غير الاحتاج والاعتصام والخروج في مظاهرات كالتي نشهدها اليوم. ولم يكن غضب هذه الطائفة ضد الحكومة فقط ، والتي حصرت كل الامتيازات لابناء طائفتها من المقريبن منها و ما انتهجته من تهميش ضدهم و ضد باقي الشرائح الاخرى التي تكون الطائفة الشيعية ايضا و لتي تعاني هي الاخرى من البطالة والفقر والعوز، ولكن ايضا ثارت في وجه ابناء طائفتها، اولائك الذين كانوا يمثلونها، لانهم كانوا يستغلونها طيلة سنوات واغتنوا بين ليلة وضحاها بعد أن عرفوا من أين تؤكل الكتف وفقا لنظرية المكونات التي تحدثنا عنها. وإذا كانت تظاهرات اليوم تنحصر ببعض المحافظات التي تفاقم فيها الظلم الطبقي والوطني فإن تظاهرات الغد ستشمل كل البلاد ولا غرابة فالظلم والفقر والفاقه والجوع والأمراض توزعت علينا بالتساوي ومن يستغرب من إنتفاضة البؤساء هو البائس نفسا وفكرا وروحا وعقلا لانها تعد حركة الشعب التي بدأت من أجل حقوقه المستلبة ماديا لا من أجل مذاهبه . واذا ما أردنا ان نتحدث عن جدية استجاية الدولة لمطالب المتظاهرين وجب الاتفاق اولا على ان العراق سقف يحمي و يضمن حقوق كل العراقيين دون قيد او شرط، وفق دستور عادل ومنصف لجميع الطوائف والاقليات مهما كان عددها، وعليه فان الاستجابة التي بينتها الدولة لا تتلائم مع ما يصبو اليه المتظاهرين وهو ما سيزيد الطينة بلة وسيزيد الاوضاع سوءا. كان لابد على الحكومة في بادئ الامر ان تباشر بإطلاق سراح كل من المعتقلين الابرياء الذين لم تثبت بحقهم اية ادانة، وكل المعتقلين الذين لم تصدر بحقهم اية اوامر قضائية، وكل المعتقلين الذين صدرت بحقهم اوامر اخلاء سبيلهم من طرف القاضي ولم تنفذ، وكل المعتقلات اللواتي اعتقلن بجريرة احد اقاربهن، بالاضافة الى محاسبة كل منتسبي الاجهزة الامنية التي كانت مسؤولة عن اعتقال مواطنين ابرياء دون مذكرة قبض صادرة في حقهم او من الذين اجبروا على سحب اعترافات كاذبة من الابرياء بواسطة التعذيب، واتخاذ كل الاجراءات اللازمة في حق اعضاء الاجهزة الامنية الذين استغلوا عوائل المعتقلين و ابتزوهم من اجل وعود كاذبة تفيد باطلاق سراح ذويهم. كان من الارجح ايضا ن تفتح الحكومة بابا لفتح تعيين الشباب العاطل من ابناء الشعب دون تمييز او اقصاء او انتهاج نظرية المكونات التي اوصلتنا لهذا الحال، نفس الشي بالنسبة للانتساب الى الاجهزة الامنية دون الاخد بعين الاعتبار الطائفة والمذهب او العرق والدين. وفي حال اردنا ان نفتح الباب على مصراعيه بخصوص المطالب المتعلقة بمجلس النواب، من الواجب اعطاء هذه المؤسسة اصدار قانون العفو العام مع وضع شروط اهمها ان لا يشمل هذا العفو المجرمين الذين تلطخت ايديهم بدماء ابناء الشعب العراقي. زد على ذلك الأبرياء الذين صدرت بحقهم عقوبات جائرة و الذي من الواجب الإعتذار لهم رسميا وتعويضهم عما اصابهم من ظلم، بالاضافة الى المحكومين الذين قضوا أكثر من نصف المدد المحكوم عليهم قضاءها في السجن شريطة إثبات حسن سلوك وتقديم تعهد مناسب مع كفالة ضامنة، ونفس الحال بالنسبة للمحكومين على جرائم خفيفة وقضوا فترة مناسبة من محكومياتهم. امام كل هذا وذاك وجب على مجلس النواب إعادة االنظر بقانون مكافحة الإرهاب وخاصة المادة الرابعة وتعديلها بما يضمن تطبيقا عادلا لإجراءات قانونية تتعلق بمكافحة الإرهاب. علما انه ليس من المعقول إلغاء قانون مكافحة الإرهاب كليا لأنه يتعلق بنوع معين من الجرائم ذات الطبيعة الجنائية - السياسية وليست فقط الجنائية كي نكتفي بقانون العقوبات الجنائية وحدها، كما وجب على على مجلس النواب إعادة النظر في قانون المساءلة والعدالة ضد كل من أساء استخدام موقعه الحزبي والسياسي والوظيفي للتسبب في الإضرار بمواطنين أبرياء دون افلات المسيئين قبل 2003 وبعدها وصولا إلى يومنا هذا. أما بالنسبة للقضاء والاجراءات التي يجب ان يتخذها لاستجابة لمطالب المتظاهرين فهي تتلخص اجمالا في اجراء تعديلات و تغييرات وإتخاذ خطوات جدية من اجل إعلاء راية الحق، وفتح باب االقبول لمعاهد القضاء العليا لكل من تتوفر فيه الشروط دون الرجوع الى الطائفي والعرق، ومتابعة شؤون التحقيق في مختلف مراحله والتأكد من سيره وفقا للمعايير الوطنية والعالمية بما يضمن نزاهته ومهنيته واستقلاليته، وذلك عبر تحريم إجراء التحقيق من قبل اي منتسب غير متخصص، ومنع تزويد ضباط ومراتب ألأجهزة الأمنية بمذكرات قبض موقعة ومختومة لكنها خالية من ألأسماء، بالاضافة الى ضمان العدالة التامة في المحاكم وسوق الحكام المتحيزين وغير النزيهين إلى محاكمات نموذجية تكون عبرة لكل من يبتعد عن طريق السلوك القضائي النزيه والعادل ومتابعة تنفيذ أوامر القضاء في إخلاء سبيل المواطنين الذين يحكم القضاء ببراءتهم. كل هذا اذا ارادت الدولة فعلا الاستجابة لمواطنيها ، من اجل تحقيق السلم الإجتماعي والعدالة والسير قدما نحو التنمية والازدهار بعيدا عن الطائفية وحمامات الدم التي طبعت اسم العراق على مر العصور. |