سُرّ ما خَطرْ!!(35 , 36).. بقلم/ د. صادق السامرائي |
- 35 - أيها النهر الزاهي الباهي المتوّج بإبداعات الإنسان وعطاءات الأجيال المتيمة بسحرك الفتان هل تدري عندما تتحطم قدراتي وتخبو جذوة روحي وتتحول نفسي إلى دخان أبحث عن نهر يشفيني من أوجاع الوطان ومن ألم الحنين لذاكرة الشطآن وعندما أجالس نهرا أتخيل أني في جوهرة ذات المكان فتنثال اللحظات العذبة السنية الممتعة كشلال خالد في خلجان أعماقي فأتعافى من تباريح الشوق لجذوري في تربةٍ لا يمكن أن ينساها الزمان يا نهر السين أرْجَعتني إلى مواطن الطفولة والصبا وألهمتني أفكار الصعود إلى أوج آفاق الرؤى والتطلعات المنطلقة نحو أكوان الإتساع يا نهر السين أجدني متدفقا بالأحلام كأنني ولدت على ضفافك من جديد وها أنا أحمل صنارة صيدي و" مصيادتي" و "نتالتي" وألقيها في النهر لتداعبها سمكة تعلمني الصبر ومهارات الصيد وأرنو نحو فضاءات موشحة باللون الأخضر تتبارى فيها الأطيار المغردة وأنا الصياد القاسي الذي يخطف منها لحظات السرور بحصوة عدوان لا تخطيئ آهٍ يا نهر السين إنّ الإنسان يلد المكان!!
فما أروع أن نعشق الأنهار ونتعلم منها ونتفاعل معها بمحبة وحنان ونقدم لها طقوس العرفان فالأنهار دفق وجود خالد ومنطلق حياة أبهى فهل نعرف أن النهر كيان وعنوان أمل؟! - 36 - على ضفاف نهر السين تتمتع القرى بجمالها وتنتصب متباهية جذلانة بمكانها وتفاعلها مع النهر وكأنها تتنافس بالظهور بأبهى طلعة عمرانية فيرتدي النهر حُلل البهاء الخالد وترى الأمواج فرحة مسرورة بإنعكاسات رائعة متلألئة للإنسان الذي عشق نهرها وذاب في وجدانه وأمعنَ بالتعبير الأمثل عن رؤاه وتصوراته لكيفيات إنطلاق الروح أتأمل المدن الخلابة والقرى الجذابة وتجتاحني مشاعر الحزن على النهرين البائسين اليائسين فلا قرى جميلة ولا مدن ذات آيات جذابة وإنما الخراب والإهمال وعدم الإكتراث بأبسط معاني وعناصر الجمال اللازمة للحياة إنها محنة النهرين وورطتهما في الإنسان وليس المكان فقد مرّت أجيال تعرف قيمتهما فتفاعلت معهما بقدرات الإبداع الحضاري التي أسست لوجود تأريخي فياض فوّاح المعاني والإنجازات التي تسر الناظرين وكان لنا الأروع والأخلد لكن طاعون الخراب أصابنا وأفقدنا قدرات تذوق الجمال فاستحالت الضفاف إلى موحشات تزأر فيها المفترسات وتتنامى الضواري متأسدة في أذوادها المحمية بآلات الشرور فغار الماء وهرب النهر وارتعب البشر وعمّ البلاء والأسى الرجيم!!
|