سدنة الحزن وسادته


تسألها عن أطفالها ، فتجيب " عندي 3 من شگــاكَــات الزيگ و 2 من شيالين النعش " .
كل الأشياء مدخرة لساعة الشدة ، للموت ، للحزن ، للوداع وللفجيعة التي يبدو ان الكل بإنتظارها على الأقل نفسياً ، وكل الحواس مستنفرة ومستعدة ومراقبة بل انها تعيش الألم حتى قبل وقوعه ، انها تتنفسه وتتعايش معه وتعشقه ، والفرح ليس الا زائراً عابراً في مسيرة الأحزان الطويلة .
إن طقوس الحزن وسرمديته في واقعنا النفسي والإجتماعي وسيطرتها شبه المطلقة على وعينا العام خلق حالة من القدسية لتلك المراسيم سواء على المستوى الفردي او الجماعي ، فلا شيء يعلو على صوت الأحزان وخرير الدموع .
وجزء من ذلك الحزن المزمن لا يتعلق بفقد الاحبة فقط وانما هو حزن على النفس ايضاً ، حزن على غياب الراعي والحامي ،حزن لغياب الدولة والقانون ، وحزن على توحش المجتمع .
قبل فترة فقد صديقنا نجله الوحيد فأنقلبت حياته كلها رأساً على عقبوتحول لإنسان آخر ، وبتنا نعيش معه لفترة تلك الأحزان بشكلها الفجائعي ، فكان يعاتب ولده الشاب الراحل وهو مسجى في المغتسل عن اسئلة تختصر الكثير من وجعنا ومأساتنا وتشير لأزماتنا الإجتماعية الخانقة :
"بويه وآنا من أموت منو يشيعني ؟ "
بويه منو لأمك واخواتك ؟ "
بويه ليش عفتني وحدي لا نصير ولا معين ؟"
لذلك تجد تلك المرأة تعبر عن هذا الواقع الذي تراه وتعيشه بدون مواربة ، انها تعيش الحزن دائماً وتنتظر تلك اللحظات بشغف وخوف ، تريد " لشكَاكَات الزيگ " ان يـبيضن وجهها وان تكون طقوس النياحة التي تقام ساعة موتها واحبابها " تشفي قلبها " .
ان التفكير بلحظات الغياب ربما يعكس انعدام الثقة داخل المجتمع ، فتواجد " شيال النعش " 
سيضمن لها ان لا تترك جثتها في العراء وان لا يتفضل عليها الناس بدفنها او حمل جنازتها .
أكيد ان للموروث والطقوس الدينية اثر واضح على هذه الأفكار ، وكيف لا ونحن سدنة الحزن وسادته ، لكنه يشير الى تفكك مجتمعي كبير ويشير ايضاً لغياب الدولة و مؤسساتها التي تستطيع ان تكون ضامناً لكل مفجوع .