لا تنسوا البعثفاشية رجاءً

لا ، لم ابتعد عن تشخيصي الذي أكدت عليه دوماً والذي يشير إلى ان الإسلام السياسي هو رأس المصائب التي أُبتليت بها المجتمعات الإسلامية . وطالما رددنا مقولة غاندي " فتش عن الإنكليز " عند تعليقه حول المصائب والويلات التي كانت تحل بشعوب القارة الهندية أثناء خضوع هذه القارة للإستعمار البريطاني ، فدعونا ، تيمناً بغاندي ، إلى التفتيش عن الإسلام السياسي للتقصي عن اسباب الويلات الإجتماعية والسياسية والثقافية والإقتصادية التي تحل بالمجتمعات الإسلامية . فهو العميل الأول للإستعمار بشتى انواعه وهو المتبني والمتبرع بطواعية لنشر الفكر الرجعي البدائي المتخلف وهو الساعي إلى ان يستمر اموات القرون الغابرة بأن يحكموا مجتمعاتهم اليوم بما تركوه لنا من نصائح وحِكَم وقوانين مارسوها اثناء حياتهم في تلك القرون التي يريدنا الإسلام السياسي ان نتوقف عندها لنسير كالأنعام لا عقل يسيرنا ولا بصيرة ترشدنا إلا تلك التي تريد ان تجرنا قسراً خلف ارواح هؤلاء الأموات . لا لم ابتعد عن ذلك فكله لا يزال قائماً ، لا بل وتزداد وتتشعب خطورته كل يوم في المجتمعات الإسلامية التي أُبتليت به . إلا انني اريد هنا ان أنفرد بالوضع العراقي لأحذر من واحدة من الأيادي السوداء التي يستعملها هذا الأخطبوط الملتحف بالجبة والعمامة والذي يخفي الف شيطان وشيطان خلف كل شعرة مما تكسو جلود مريديه .
إن هذه اليد السوداء التي يمدها هذا الأخطبوط والتي تريد العبث بالعراق بعد ان هربت منه لتنقذ نفسها من غضبة الشعب الذي أذاقته انواع المر لأربعة عقود من تاريخه الحديث ، هي البعثفاشية المقيتة التي وجدت في القوى السياسية التي تحكم وتتحكم بشؤون البلاد اليوم وقد هيأت لها الفرص تلو الأخرى لأن ترفع عقيرتها مرة أخرى بعد ان اختفت لفترة ، كانت وجيزة مع الأسف الشديد ، بين اوحال جرائمها وجحور هزائمها . لقد عاد مجرمو البعث الحقيقيون ليواصلوا الجريمة مرة اخرى ملتفين هذه المرة بعباءة الدين الذي خرجوا علينا به ليوهموا العالم بانهم أهل هذا الدين المكبرين المسبحين المحوقلين وليجعلوا من إنخراط الناس للمطالبة بحقوقهم التي ضيعها بعض هؤلاء السياسيين من هذا النموذج البعثي الذي أدخله الزمن الغابر إلى العملية السياسية التي وقف ضدها منذ بداية سقوط نظامه الأهوج ، ليجعلوا من هذه المظاهرات منافذ ينفذون منها إلى قلب الجماهير وانهم يتبنون ما تطالب به هذه الجماهير ، وما هم في الواقع إلا دعاة قتل وإرهاب وجريمة طالما شاركوا العصابات الإرهابية في تنفيذ جرائمها في العراق ، تلك الجرائم التي وسموها بالمقاومة وهي التي لم تنل من الجيوش التي اتوا بها هم انفسهم لتحتل وطننا كما نالت من الشعب العراقي في مختلف مناطق وبقاع الوطن . فجرائمهم وجرائم حلفاءهم لم تكن مقتصرة على شمال او جنوب او غرب او شرق العراق فقط ، بل توزعت بين اهل العراق جميعاً وكأنها تشير إلى وحدة العراق حتى بتوزيع الجريمة عليه ، وهذا هو ديدن البعث دوماً .
البعثفاشية ومجرموها الذين يتبوأون اليوم مراكز في الدولة العراقية الحديثة ويجدون ملاجئ ومواطئ قدم لهم حتى في اعلى المؤسسات الحكومية ، بعثيو الأمس إسلاميو اليوم ، لا يبدأون حديثهم إلا بالبسملة التي استعاضوا بها عن بداية أحاديثهم السابقة بترديد شعار الحزب، بعثيو الأمس وشركاء سياسيينا الفلتة اليوم هم على إتصال دائم ومستمر مع قادتهم القابعين خارج الوطن والذين يلتقون بهم بين الحين والحين في عواصم التآمر على شعب العراق لتدبير إرسال القتلة والمفخخات والأموال ، يخططون لمثل هذه الأيام التي يؤججون فيها الطائفية المقيتة ليعيدوا من خلالها ما فقدوه من بطش وتنكيل وارهاب وليشبعوا مجدداً تعطشهم لدماء الشعب العراقي. البعثفاشية تتصدر المظاهرات اليوم في بعض مناطق وطننا التي لا يجادل احد في تعرضها ، ككل مناطق العراق ، إلى الإهمال في كل شيئ، لتوهم البسطاء من اهلنا هناك بانها تدافع عن مطالبهم المشروعة في الوقت الذي لا يجرأ هؤلاء على تسمية ممثليهم في السلطة التي اهملت كل العراق وفضح اللصوص منهم الذين ساهموا ، مع اللصوص الآخرين في الوزارات والبرلمان والمؤسسات الحكومية وفي دوائر الدولة ، في وصول كل مناطق العراق بمدنه وقراه إلى هذه الحالة المزرية في كل شيئ .
إن الذين خلعوا زيتوني الأمس ، مؤقتاً ، ليظهروا على الملأ بأزياءهم الجديدة الدينية والعشائرية ، متخذين من المطالب الجماهيرية العادلة والمشروعة منفذاً ووسيلة لعودتهم إلى دكتاتوريتهم الساقطة ، حيث انهم جاهروا الآن علانية بأنهم يريدون إسقاط النظام وليس إصلاحه ، سوف لن يحققوا ما يخططون له إذا ما جعلنا من هِمم الشعب العراقي وذاكرته عن جرائم هؤلاء وسيلة مقاومتنا التي ننشرها بين الناس في هذه الأيام، خاصة وقد توجه البعض لأن يسلك طريق الملل واليأس من الإصلاح التي تساهم قوى البعثفاشية هذه في السلطة والبرلمان في عرقلته . وإننا حينما ندعوا الشعب العراقي لأن لا ينسى البعثفاشية ويأخذ مهمة فضح اساليبها وخططها للهيمنة على العراق مرة اخرى ، فإننا ننطلق من القناعة التامة بأن شيئاً مثل هذا لا نرجوه من الحكومة العراقية الحالية وذلك لسبب بسيط جداً ألا وهو ضعف هذه الحكومة وعدم قدرتها على التخلص من المحاصصة والمشاركة والمقاسمة مع هؤلاء البعثيين ، إذ بدون ذلك لا ضمان لإستمرار المنصب وبالتالي لا ضمان لإستمرار اللصوصية .