على ضفاف شواطئ دائرة المعارف الحسينية |
ربما يكون من السهل الكتابة عن مصنف أدبي أو علمي أو روائي، فالكاتب مهما غرّب أو شرّق في قراءته الموضوعية، فانه سيدور حول محور واحد يستظرفه من جانب ويستلطفه من جانب آخر وينقده من جانب ثالث، وربما يقسو على المؤلف أو على أصل الكتاب من جانب رابع لاعتبارات موضوعية لا علاقة بالمؤثرات الشخصية، والكاتب أو الناقد في المحصلة النهائية يحاول أن يستعرض في المصنف أوجه القوة والضعف كعملية تقويمية تفرضها الساحة الكتابية وينشدها القارئ الذي يبحث عن فحوى الكتاب قبل أن يقرأ أصوله ومتنه، ويتقبلها المؤلف بروح رياضية لا سيما إذا جاءت القراءة الموضوعية النقدية من قلم يتوخى الفائدة العامة للكاتب والقارئ على حد سواء، لأن الذي يكتب ويؤلف، ومهما بلغ من القوة والمنعة والحنكة،ـ تغيب عن ذهنه أمور، يكشفها الآخر الذي يتناول المصنَّف بروح القارئ الناقد. وهذه واحدة من مميزات القراءة الموضوعية لأي مصنف أو كتاب، فالتأليف كأي مشروع حيوي آخر، إن لم يكن له مشرف يتابعه بعد الانتهاء منه، سيظل ناقصاً ولو بقدر، والناقد أو المستعرض للكتاب هو بمقام المشرف على المشروع، ويعجبني في أي كاتب تواضعه المعرفي الذي يجعله يتقبل النقد بصدر رحب، ومهما بلغ الكاتب أو القائمون على الكتاب من الجهد مبلغاً فلابد أن يخرج الكتاب مع قليل أو كثير من الأخطاء، لأنه وبعبارة بسيطة للغاية ليس قرآناً أو وحياً، أي ليس معصوماً عن الخطأ المعرفي أو النحوي أو المطبعي. قد يطول وقوف الناقد أمام كتاب معين لمادته الغزيرة أو أفكاره المتجددة أو روعة كاتبه، وغيرها من المؤثرات الموضوعية، ولكن ماذا إذا تم الوقوف أمام سلسلة من الكتب في باب واحد أو موسوعة علمية، فإن المهمة ستكون صعبة للغاية، وبخاصة إذا تعددت أبواب وعناوين وموضوعات الموسوعة، فالموضوع كلما تشعب وازدادت فروعه وروافده قدّم الدلالة على حجم المساحة العلمية التي يتحرك في دائرتها المؤلف، تماماً كالأرض الزراعية الشاسعة التي هي بحاجة الى قنوات مائية وروافد وأوعية حتى يتم سقي الأرض بأكملها. على مستوى شخصي، أقف في بعض الأحيان حائراً عندما أتعاطى كتابياً مع موسوعة كبيرة كدائرة المعارف الحسينية التي بلغت أعدادها المخطوطة والمطبوعة نحو 900 مجلد صدر منها 86 مجلداً، فرغم انني كتبت عن جميع أجزائها المطبوعة، وجمعت الدراسات الموضوعية والنقدية في كتب صدر منها ثلاثة أجزاء هي: (نزهة القلم)، (أشرعة البيان) و (أجنحة المعرفة)، والرابع (أرومة المداد) في الطريق، لكنني كلما تناولت جزءاً من أجزائها أحسب نفسي أمام كتاب جديد رغم ان محور الموسوعة برمتها هو النهضة الحسينية، وهذا يكشف ليس فقط عن عظمة الإمام الحسين(ع) وإنما عن الأمداء العلمية التي وصل إليها مؤلفها بحث مكنته من الإبحار في سفينة السبط الشهيد ولم يبلغ حتى الآن كل السواحل، وهو لا يزال يجد نفسه في أول الطريق في هذا البحر اللجي من العلوم والمعارف اللامتناهية الشواطئ، مع ادراكنا بحكم الاحتكاك المباشر مع المؤلف وحجم مؤلفاته وتنوع أبوابها حتى بلغت نحو ألفي عنوان، أنه قطع شوطاً طويلاً في هذا المضمار.
أضواء على الموسوعة ولا أضيف جديداً على ما قاله الأعلام عن دائرة المعارف الحسينية للعلامة المحقق آية الله الدكتور الشيخ محمد صادق الكرباسي، فهي نادرة الموسوعات لم تسبقها موسوعة من حيث الكم والكيف، ولكن الجديد عنها هو صدور كتيب "أضواء على دائرة المعارف الحسينية" مطلع العام 2014م عن جمعية المستقبل الثقافية الإجتماعية في دولة الكويت وفي 79 صفحة، وذلك بمناسبة انعقاد الملتقى الثقافي الأول عن دائرة المعارف الحسينية يوم 5/3/2014م، حيث أحياه علماء وأعلام وأدباء من دول الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية والسعودية وسلطنة عُمان واليمن والمملكة المتحدة، ومن كل المذاهب الإسلامية، وهو أول ملتقى ثقافي ينعقد في الكويت بخاصة ودول الخليج بعامة يتناول الموسوعة الحسينية من جوانبها المختلفة وترعاه دولة الكويت متمثلة بوزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد العبد الله المبارك الصباح، وإلى جانب الرعاية الفخرية لدولة الكويت، رعته بشكل مباشر إدارة الوقف الجعفري في وزارة الأوقاف الكويتية وجمعية المستقبل الثقافية الاجتماعية بالتنسيق مع المركز الحسيني للدراسات بلندن. ورغم صغر حجم الكتاب واعتماده على لغة الأرقام السريعة والخطوط العريضة للعناوين والموضوعات، فإنه يكشف عن عظم الجهد الأسطوري الذي يبذله المحقق الكرباسي في دائرة المعارف الحسينية، وبتعبير جمعية المستقبل الثقافية كما جاء في التقديم: (من الصعب بمكان الإلمام بكل ما خطه يمين الفقيه المحقق الدكتور محمد صادق الكرباسي في دائرة المعارف الحسينية، فما كُتب وصدر من مؤلفات عن فصل من فصول وأبواب الموسوعة بأقلام أعلام ومثقفين وأدباء من بلدان مختلفة هو بالعشرات، فما بالك بمجلدات الموسوعة التي بلغ المطبوع منها 86 مجلداً من نحو 900 مجلد، فبالتأكيد ان الأمر خارج دائرة الإمكان، إذ لا يمكن لأي قلم أن يوفي حق هذه الموسوعة التي انطلقت من قلب عاصمة الغرب لندن عام 1987م باسم الإمام الحسين(ع) مستفيدة من كل وسائل الاتصال الحديثة للوصول إلى آخر نقطة من الأرض يمكن حط الأقدام عليها بالعزم والإقدام لتوثيق المعلومة الحسينية)، وأضافت جمعية المستقبل: (وخلال عمر الموسوعة صدر عدد من التعريفات توقف القارئ عالماً ومتعلماً على الخطوط العريضة لهذه الموسوعة التي تعد الأندر في عالم الموسوعات بلحاظات عدة، فهي في شخص واحد هو الإمام الحسين(ع)، ولأن الذي يحبر سطورها بمداد المعرفة هو شخص واحد هو البحاثة الكرباسي، ولأنها في ستين باباً من أبواب المعرفة، عمد مؤلفها في كل باب إلى تأصيل علم ذلك الباب بأدواة علمية وبحثية جمعت بين العلوم العقلية والنقلية، وبين العلوم الحوزوية والعلوم الحديثة، وبين التراث وبين العصرنة). وتعود الجمعية لتؤكد: (في هذا الكتيب عمدنا إلى إضاءة مجموعة مصابيح على فروع وعناوين أجزاء الموسوعة الحسينية، وبشكل مختصر للغاية، ليستطلعها القارئ وليقف على مقدار الجهد المضني الذي يبذله المؤلف في إخراج أجزاء الموسوعة الحسينية بحلة جديدة مصوغة بآيات التوثيق والتحقيق والنتائج الباهرة، مع يقيننا بأن كل ما يُكتب أو يقال لا يوفي حقّ المؤلف الذي أوقف كل شيء من أجل نصرة رسالة الإسلام الخالدة، بما فيها لله رضى وللناس أجر وثواب).
أبواب بلا سقف من الثابت كما جاء في الكتيب تحت عنوان: "إضاءات في أبواب الموسوعة الحسينية": (عندما يقدم صاحب القلم على كتابة موضوع معين قلّت مادته أو كثرت، فإنه يضع الخطوط العريضة لفقراته وعلى ضوئها يشرع في الكتابة، ولا يقتصر الأمر على خط كتاب أو رسالة جامعية، بل هذه قاعدة تبدأ من المقالة الصغيرة حتى الكتاب، فما بالك بدائرة معرفية موسوعية، فإن الخطوط العريضة تتقاطع وتتشابك ويحتاج معها الأمر الى عقلية نافذة وناقدة في آن واحد تفك العقد وتحلها، وتضع الحدود بين الخطوط وتقاطعاتها حتى يستبين الأمر). من هنا كما جاء في مادة العنوان: (عندما شرع العلامة الكرباسي بكتابة موسوعة دائرة المعارف الحسينية، كانت الخطوط متشابكة للغاية، فهناك تراكمات كبيرة وكثيرة من التراث الحسيني تبدأ من قبل ولادة الإمام الحسين بن علي(ع) وحتى قيام الساعة، وهي بمسيس الحاجة الى فرزها وتنقيتها وتوثيقها والتحقق من كثير منها، فتقادم الزمن دون تمحيص وتدقيق وتحقيق وملاحظة جعل التراث الحسيني من المسلّمات، وهذا الأمر لا يستقيم مع البرهان العقلي الذي ربى فيه القرآن الكريم الإنسان عليه ودعاه الى تلمس طريق الصواب بإعمال العقل، وهي ما عليه سيرة النبي محمد (ص) وأهل بيته، ولذلك فإن موارد التحقيق في التراث الحسيني تم فرزها وتبويبها بما يجعل الخطوط العريضة واضحة وبيّنة)، ومن الطبيعي ان الفرز والتبويب بعد البحث والتدقيق والتوثيق ترتّب كما يشير إليه الكتيب: (فرز العلوم ذات العلاقة بالنهضة الحسينية وتأصيلها ووضع قواعدها، بل وكشف التبويب عظمة النهضة الحسينية وأهميتها في مسيرة البشرية بحيث كان لها في كل علم نصيب، بل وساهمت بشكل كبير في إحياء الموات من لغات الأمم وآدابها وجعلها حيّة بين اللغات الحيّة. وعندما انتهى المحقق الكرباسي من وضع اللمسات الأخيرة من خارطة الموسوعة الحسينية، انتهى به المطاف البحثي الى ستين باباً من أبواب المعرفة والعلوم). وتوزعت الأبواب الستون على النحو التالي: الآثار، الاجتماع، الأجنة والوراثة، الأحجار الكريمة والمعادن، الاختزال، الأخلاق والسلوك، الآداب، استبيانات، الأطلس، الإعلام، الإقتصاد، الألسنيات، الأنساب، التاريخ، التحليل، التدوين والتأليف وما يدور حولهما، التراث، الترجمة الموضوعية والسيرة الذاتية، التشريع وعلومه، التصنيف والتوزيع، التقويم، التنظير، التوثيق والتأصيل، الجغرافية، الحديث وعلومه، الحرب والسلم، الحكم والسلطة، الرواية والقصص، الروحانيات، الرؤيا، السياحة، السياسة، السيرة، العادات والتقاليد، العرفانيات، العروض، العقيدة والكلام، علم النفس، العلوم العقلية، الفلسفة، الفلك، فن الخطابة والاقناع، الفن والرسم، الفهرسة والقاموس، الفيزياء، القرآن وعلومه، الكيمياء والطب والصيدلة، اللغة والبلاغة والأدب، الماورائيات، المتفرقات، المحاسبة، المسرح والفن، الملحمة، المناظرة، النهاية، النوادر، الهندسة والريازة والعمران، والولائيات. والكتيب الذي تم توزيعه على المئات الذين حضروا الملتقى الثقافي الأول عن دائرة المعارف الحسينية الذي انعقد في قاعة البركة بفندق كراون بلاز وبحضور علماء ومثقفين وأدباء وعلماء دين وسياسيين ودبلوماسيين ورجال أعمال، ضم في عناوينه المئات من الموضوعات المندرجة تحت أبواب الموسوعة الحسينية، واحتوى على عناوين الأجزاء المطبوعة من الدائرة، وبيان للكتب والمؤلفات المطبوعة عن دائرة المعارف الحسينية والتي بلغت 64 مصنفاً بلغات مختلفة، لمؤلفين وكتاب من جنسيات مختلفة تناولوا الموسوعة الحسينية وأبوابها من نواح مختلفة، فيهم الفلسطيني والكويتي والأردني والجزائري والعراقي والإيراني واللبناني والباكستاني والهندي والسوري والبحريني والأفغاني والآذربايجاني والأرجنتيني والاثيوبي، وغيرهم.
في الواقع ومهما تم تحبير المقالات والدراسات عن دائرة المعارف الحسينية فانه لا يمكن الوقوف على جميع تفاصيلها، فهي محيط واسع عميق الغور، نبحر بين الحين والآخر على ضفاف بعض شواطئه. |