الاخبار مؤكدة عن جماعات طائفية مسلحة اجتاحت منازل المسيحيين المهجورة في بغداد ورفعت فوقها بيارغ النصر وصور زعامات دينية، واحاطتها بالحراسات. اما السلطات فانها مشغولة عن ذلك، والانشغال هنا مريب، ومسجل بحساب الحملة الانتخابية، إذا شئنا الدقة. لكن الامر المتعلق باجتياح بضعة منازل غادرها مالكوها المسيحيون، هربا، الى الخارج، ليس سوى فاصلة في مسلسل الاعتداءات المنهجية على “المكون المسيحي” تتقاسمها الجماعات المسلحة الارهابية المرتبطة بالمشروع التكفيري او بالمليشيات المدللة، ويعرف هذا المسيحيون انفسهم، بل انهم يحتفظون بوقائع مرعبة عن اعمال التنكيل والتضييق التي تعرضوا لها طوال اكثر من عقد في بغداد ومحافظات الجنوب وكركوك والموصل، وقد بُحّت اصوات المنادين بوجوب التحرك لحمايتهم، فلا الحكومة ولا الامم المتحدة ولا غيرهما سمع الاستغاثات. طبعا، من السذاجة السياسية التساؤل عن السبب الذي يدفع الجماعات الاسلامية المتطرفة الى استهداف المسيحيين في العراق، وغيره، هذا إذا كان التساؤل بريئا وباحثا، بحق، عن اجابة شافية، لكن ثمة من يثير هذا السؤال، وعن قصد، لتعويم المسؤولية عن هذا الامر في متاهات نظرية المؤامرة، وتصريفها في اقنية ورطانات، ولا يتوانى هذا البعض، الذي يتقن الضجيج واللغو، عن إبداء الشفقة الباردة واللفظية والمغشوشة على المسيحيين، والتذكير المكرر والممل بان الاسلام “برئ” من هذه الاعمال اللاانسانية ليوحي ان المهاجمين ربما من اتباع ديانة اخرى، أو انهم “مدسوسون” من قبل قوى مجهولة، او- في افضل التبريرات نعومة- ان الفاعلين لم يقرأوا كتاب الله جيدا. وباستثناء السذج الذين لا يعرفون حقا لماذا يستهدف التطرف الديني المسيحيين وكنائسهم، وكذلك باستثناء الذين “يعرفونها ويحرفونها” فان خطابات شيوخ مساجد التطرف، المكتوبة والمصورة والمسموعة، لا تبقي مجالا للشك في ان استهداف المسيحيين جزء من أحلام الدولة الدينية القائمة، اساسا، على فكرة الحرب بين الاسلام والنصارى. بين دولة الخلافة الجديدة والدول الكافرة. متفرعة عنها حروب تفصيلية اخرى بحسب ما يتاح للجماعات المسلحة من فرص للضرب والتفجير واقامة المذابح بما يبقي “حرب التقوى” مستمرة، وحرائقها مشتعلة. علينا هنا ان نتوقف قليلا عند واحدة من اركان الخطاب الارهابي التعبوي، التجييشي، وهي عبارة “الاحتلال الصليبي” او “التحالف الصهيوني الصليبي” التي وضعها ابن لادن في وقت مسبق وجسدها في بيت من الشعر كان قد ارسله لانصاره في العراق، يقول فيه: بغدادُ يا دارَ الخلافةِ ويحكِ ما بالُ طهركِ دنّسَته طُغَامُ ترى ما الفرق بين اولئك وهؤلاء
“تزداد الكلاب السائبة دائما، لاننا نرمي البقايا دائما”. حكمة مترجمة
|