ملاعيب..

ما يجري في كواليس السياسة، والصراعات، وما نتفاجأ به على مدار الساعة في “عاجل. عاجل” لايعدو عن لعبة قديمة مملة عنوانها “لعبة القط والفأر” مأخوذة من طباع القطط في الدراية، ومطبوع الفئران في الشطارة، واحسب ان قراء هذه الكلمة لايحتاجون الى مزيد من الكلام عمن نعنيهم بالقطط، ومن نقصدهم بالفئران، سوى حاجتهم، وحاجتنا، الى التذكير بما دُوّن في الانتباهات والمدونات عنهما:
*يقول الجاحظ في (الحيوان) ان القط يراقب الفارة: “فإذا وثب عليها لعب بها ساعة ثم أكلها، وربما خلى سبيلها وأظهر التغافل عنها فتمعن (الفارة) في الهرب، فإذا ظنت أنها نجت وثب عليها وثبة فأخذها، فلايزال كذلك كالذي يسخر من صاحبه، وأن يخدعه، وأن يأخذه أقوى ما يكون طمعا في السلامة، وأن يورثه الحسرة والأسف، وأن يلذ بتنغيصه وتعذيبه”.
*تنتسب لعبة القط والفار، منذ الازل، الى العلم العسكري، حين كان (واستمر) الايقاع بـ”العدو” من اقصر الطرق واقلها كلفة شاغل القادة والساسة، وعُرّف بالمناورة في ابسط مفرداته المدرسية، وكان الجنرال جورج سميث باثون، وهو اشهر منظري ومهندسي الحرب العالمية الثانية قد اوصى بالابتعاد عن القيام بهجمات “جبهوية” قدر الامكان، والاهتمام بالمناورة، قائلا “ان افضل المناورات قد تنقذ اسوأ الخطط”. اما القائد الروماني الكبير جاليونيوس بومينيوس فقد خسر سمعته ونياشينه بقرار مجلس الشيوخ لأنه قاد حربا خالية من المناورات، اي بتضحيات مفرطة.
*إذن، اللعبة قديمة، منذ ان كان للقطط دور كبير في تناسخ الارواح التي مرت بالشرق القديم، وظهور القط المقدس على حجارة الكهوف البورمية، ثم القط الرومي، والقط الفرعوني، وتخطيطات القطط في معابد التبت، ثم القط السيامي بلونه الرمادي، مرورا بهر المطابخ، واجيال قطط الكارتون، توم وجيري المعروفة، فيما تنامى اخيرا شأن اللعبة مع دخول كتاب الرواية والقصص على عالم القطط والفئران، فكتب الدانيماركي هانز كرستيان اندرسن عن القطط كرمز وسلوى للمنقطعين والعوانس، ثم كتب الكثيرون عنها كحيوانات مسلية للاطفال، ودخلت كتب تعليم الصغار مدخل الشعر: قطتي صغيرة. اسمها نميرة. اما الفأر، فحدث ولا حرج عن براعته في قرض الحبال التي يرسف في طياتها اكابر الاسود، إذ ينفلت منها بفضل هذا اللاعب الخطير.
*للعبة القط والفأر مشجعون، عانوا من متابعة قتال الفرسان الاخلاقي الذي انتهى مع تراجع الحاجة الى الاخلاق.

“ان الانسان اختراع حديث العهد”.
فوكو