فاتحة رسالة حليم قوله: أنا كافر، وثنى عليها بسب الله عز وجل، قالها أمام شاهدين، ولعل زوجته سمعته من خلف الباب، المكان بيت حليم، شيده أبوه، هو البيت الثاني، أول بيت من مال أبيه ايضاً، لكن حليم كرهه، لماذا؟ ربما لقربه من الكاظمية، ينتظر حليم مغادرة والده "الحجي" وزوجة أبيه المنزل لزيارة الكاظمين ليالي الجمع ليستضيف زائرته، ونزولاً عند طلب المدلل حليم شيد له والده بيتاً بديلاً في أرقى أحياء بغداد، واشترى له سيارة مرسيدس، ثم هرم والده وتدهورت أحواله الصحية فاستغل الفرصة اخوان حليم للاستيلاء على أرضه الزراعية، حتى سيارة أبيه القديمة باعها حليم وقبض ثمنها، بعض الكفار يبرون والديهم باستثناء حليم.
اختلف الشقيق الأكبر لحليم مع والده يوماً فأقدم على طرده من بيته الكائن في جنوب العراق، هو بيت والده سابقاً، وكل مال حليم وأخوته من مال أبيه لا من كدهم أوعرقهم، كانت ليلة شتاء باردة ماطرة، الأب في أواخر العقد السادس من عمره ومريض، ولم يكتفي أخ حليم بذلك، طارده حتى حافة الجسر الحديدي، هناك لحق به، ويقول الشاهد فيما معناه: شاهدت الابن يجر ابيه من اطرافه على قارعة الطريق الطينية نحو ضفة النهر وكأنه يروم إلقاءه في الماء ليغرق، فلما رأني توقف وانصرف على عجل، فمسحت عن وجه الأب الطين واصطحبته إلى منزل احد أفراد عائلته، هذا نموذج من اخلاق أخوة حليم، فلا تعجبون.
عندما اضر المرض بوالد حليم طلب منه نقله للمستشفى للعلاج فأجاب حليم: هل ملت زوجته من تمريضه؟ ثم مات الأب في البيت من وطأة المرض.
إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له، قول مروي عن الرسول الأعظم، لكن حليم بالتأكيد لا يكترث به، هو ولد عاق وكافر بالإسلام، ولم يدعو لأبيه بالرحمة يوماً ما.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يسب حليم فيها الله، ومن عادات المقامرين سب الدين والخالق كلما خانهم الحظ، وحليم مدمن على القمار، ومنذ أكثر من نصف قرن بيته وكر لحلقات القمار التي تدوم حتى ساعات متأخرة من الليل، يشارك فيها اقاربه واصدقاؤه، ولعل تلك العادة القبيحة وراء إصابته بسكتة قلبية، اضطر بعدها للتقاعد المبكر، لكنه بقي على ولعه بالقمار، وتعلم في الآونة الأخيرة لعب القمار على الإنترنت.
كادت سمعة حليم الرديئة تفشل مشروع زواج أخيه، فعندما سمع خال الفتاة التي تقدم لخطبتها بإسم الأخ نصح عائلتها بعدم الموافقة، وتبين أنه شاهد حليم اثناء زيارته لصديق في أمريكا، واخبرهم بأنه وخلال مكوثه لدى صديقه لم يغادر حليم طاولة القمار، كان حليم وقتها طالباً في جامعة أمريكية على حساب والده، وبدلاً من الدراسة تفرغ للقمار، وللتأكد من حسن أخلاق وسلوك الأخ سألت عائلة الخطيبة صديقاً، وهو بدوره سأل عنه فجاءه الجواب من أحد افراد عائلته بأنه ثاني إثنين فقط لا يلعبان القمار ويأتيان المنكر في العائلة، فوافقوا على زواجه من ابنتهم.
سؤل حليم: لماذا سميت ابنتك باسم مكروه بين طائفتك؟ فأجاب حليم: نكاية بهم، وهو يزدري كل المسلمين على حد سواء.
ترقى حليم لمنصب مدير عام في عهد الطاغية البعثي، وكل مدير عام حينئذ بعثي بالضرورة، ولكن حليم ذهب أبعد من ذلك، فقد كان له صحبة من المسؤولين في جهاز الأمن الصدامي، ترددوا على بيته وشاركوا في لعب القمار معه، وبوساطة هؤلاء الجلاوزة توسلوا لإطلاق سراح قريبين لهما متهمين بالانتماء لحركة معارضة للنظام.
ماذا تسمون الرجل الذي يشي بالمعلومات عن اقاربه المعارضين لأجهزة الأمن والمخابرات العراقية؟ تبين أن مجموعة من الأمن أو المخابرات البعثية قصدت بيت حليم لسؤاله عن ابن أخيه الشقيق، وابن الشقيق هذا متهم هو وسفير منشق على النظام البعثي بالاستيلاء على أموال سفارة عراقية، وبدلاً من أن يكتفي حليم بإخبارهم بأن ابن شقيقه مغترب ولا يعرف مكان سكناه تبرع لهم بمعلومة وهي أن له أخاً غير شقيق معارض، ودلهم على عنوان شقيقة المعارض، وبالفعل فقد استدعى جلاوزة النظام اخته لاستجوابها، وكان حليم لا يرى بأساً في حضورها بمفردها لكن زوجها أصر على الحضور، وكان الاستجواب في بيت حليم، وشهدت شقيقة حليم التي تقطن معه عليه إذ قالت: جاؤوا يسألون عن ابن شقيقنا فما دخل أخونا بالموضوع؟
يهددني حليم اليوم ويتوعد، فلا تستغربون، فقد أمن البعثيون الوشاة من العقاب، وهم بحماية البعثيين الجدد المتسربلين بمسوح الدين، الساكنين في المنطقة الخضراء، وليسب حليم الله من دون خوف أو وجل، فلا حامي لدين الله في العراق اليوم سوى الله، وحليم لا يؤمن بوجوده، والعراقي اليوم كما بالأمس يسجن لشهور إن ثبت عليه سب الرب وهذا شبه محال لكن الويل له لو أهان الحكام.
سيان يا حليم إن نصرك كل أفراد عائلتك وعشيرتك بل كل العراقيين، وعلى رأسهم الحكام المنافقون، وسيأتيك الجواب على رسالتك من عند رب السموات والأرض: [إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا]
|