المسؤولية والتهريج

لن يستطيع احد انكار حجم التداعيات الخطيرة التي يعيشها الوطن والمواطنين، فالقوى المسلحة المعادية كلية لبناء دولة مدنية ديمقراطية الساعية إلى إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، تشهر اسلحتها على ابواب بغداد، بل وهي تتحكم بالعديد من شرايين حياة المواطنين.
مع هذا فالعديد من ادعياء السياسة يواصلون حملاتهم الإنتخابية بطرح شعارات هي في الأصل تنسجم مع دعوات المسلحين إلى حكم العراق بدون دستور والقيم المعاصرة، فهناك من دعا، برغم كل مزاعم احترامه للدستور والقوانين، إلى محاصصة ثابتة في حقائب الوزارات، بجعل بعض الوزارات حصة ثابتة لمحافظة ما. وفي سياق المزايدات التهريجية التي تتوهم انها تداعب عقول الناخبين، يتجرأ البعض على الحديث عن “حق” محافظة بالذات في ان يكون رئيس الوزراء منها حصراً. والمحصلة فأن هذه الطروحات، سواء تلك التي تستعدي العرب ضد الكورد ووصفهم بالمحتلين، أو تتاجر بمذاهب المواطنين، أو المطالبة بـ” حصة” محافظة في وزارات معينة، بجانب رئيس الوزراء، تدل على مدى ابتعاد العديد من المرشحين وقوائمهم، ليس عن روح العصر والدستور، بل انهم، عن قصد أو غير قصد، يلغون مبادئ الكفاءة والآهلية، ويعمقون المحاصصة المدرمة، بكل ما تعنيه هذا من إثارة نمط جديد من النزاعات بين المحافظات والمكونات، بحجج الحصص المشروعة ودعوات “التحرير”.
إن ما يطرحه بعض المرشحين، بعضهم نواب، يكشف مدى جهلهم بمقومات الدولة وكيفية الحفاظ عليها، التي اقسموا على الحفاظ على وحدتها والحفاظ على السلم الآهلي بين مواطنيها. وفي كل هذه الطروحات يغذون توجهات القوى المسلحة المعترضة على النظام السياسي القائم، لأنهم لا يقدمون برامج لتخطي الأسباب الحقيقية وراء كل التداعيات التي نعيشها، بالأخص البطالة وتدني المستوى المعيشي لشرائح واسعة، ومحاربة الفساد، وقبل هذا كله طرح خطاب وطني يشد العراقيين جميعاً، من الفلوجة حتى زاخو والفاو مروراً بكربلاء والنجف.
ومع أن كل المؤشرات لا تدلل على حدوث تحول جذري في توجهات الناخبين في اختيار النواب على اساس الكفاءة والقدرة على تحقيق برامجهم، لكن القضية الأساس التي ينبغي ان يعمل عليها كل من يحب العراق، لفظ أولئك المزايدين والمحرضين على شق الصف الوطني من خلال طروحات متعصبة قومياً أو طائفياً، وتأكيد أن العراق لن يستعيد ازدهاره بالشعارات إنما من خلال خطط عملية لتحريك عجلة الاقتصاد، الذي تراجعت فيه الزراعة إلى نصف ما كانت عليه عام 1980، والصناعة إلى خمس حالها في الفترة نفسها، برغم كل الزيادة الكبيرة في تعداد السكان والموارد الريعية، وحاجة العراقيين إلى ما لا يقل عن 2,500,000وحدة سكنية بالأقل، وفيما يدفع العراقي قوائم اتصالات هاتفية تستحوذ على اكثر من 3% من مدخوله.
ترى هل توجه البرامج الجادة لمعالجة أزمة الوطن والمواطن الناخب ليعطي صوته لغير المهرجين وغير الكفوئين والكذابين؟!