خلال احدى الايام القريبة الماضية كنت حاضرا في احدى مستشفيات بغداد البائسة برفقة واحدة من اعز اقاربي على قلبي. هذه المرأة ابتليت بمرض خبيث غيَّر ملامح وجهها وجسمها بشكل كبير. فمنذ ان وعت عيني بصرتّها امرأة في غاية الجمال والترف الناتج من بشرتها البيضاء المشربة بالحمرة والخدود التي تشبه التفاح الاحمر..صورتها الان ترتسم امام مخيلتي بابتسامتها المعهودة التي لا تفارق وجهها المتجلي من قلبها الطيب الحنون. هذا الجمال وهذه الروح المرحة لم يغيرها ابداً افتراقها المبكر عن زوجها .فلقد ولدت منه بأنثى كانت سلوتها الى ان تزوجت البنت وذهبت الى بيت زوجها فلم تشعر هذه المرأة الرائعة بالوحدة فأن القدر حكم ان تكون ولادتي بعد هذه الحادثة بأشهر قليلة فكنت سلوتها واملها بالحياة . كنت ظلها اين ما رحلت وحلت وجلست ونامت لذلك احتفظ بذكريات عمر معها فهي رغم كل المعاناة كانت رائعة بإيمانها وعبادتها و عاطفتها و ذوقها و تضحيتها وشخصيتها و وجهها. لم يكن في بالي ان اتحدث عن علاقتي بها ولو بهذه الومضة لكن هكذا ساقتني يدي بدون ارادة. ما اردت ان اقوله اني عندما شاهدت وجهها الشاحب في اخر يوم لها تذكرت تلك الصورة الجميلة لها ولجمالها فقلت في نفسي :اهكذا لا يدوم ظاهر الانسان ويتغير من ذاك الوجه الملون الى هذا الوجه الشاحب ومن ذلك القوام الممتلىء الى هذا الجسم البالي؟؟؟!!!! ان في ذلك عبرة لي بأن احسب لايام شحوبي قبل شحوبي ولايام ضعفي قبل ضعفي .. لكن بعد لحظات تأملت مع نفسي وقلت لها كم انت كاذبة وتسويفين لي القرارات وتخدعيني حتى بالموعظة..نعم لا تستغرب فان الموعظة احيانا تكون خدعة من خدع النفس و الشيطان لتخدر الفرد وتجعله يشعر بأنه مطيع للرب بسبب مشاعر الاتعاظ بالاخرين والتفاعل العاطفي معها. نعم هي خدعة..تعلمون لماذا لاني قلت لها(اقصد نفسي) ومن يقول اني سأتعظ بهذه الحادثة التي وقع بها غيري وانا اعيشها بين مدة واخرى ؟؟؟تذكرت صورتي انا قبل عشرين عاما عندما كنت في بداية الحياة الجامعية ..ايضا كنت احمل نفس تلك الطراوة والحمرة والقوة وانا الان فقدت الكثير منها فلماذا لا اتعظ؟؟؟. ان الذي حصل لي هو نفس ما حصل لاقاربي لكن بنسبة مختلفة ولم اشعر بها او التفت ...عندها فهمت فهما جديدا لما روي عن امامنا الصادق عليه السلام(من لم يجعل من نفسه واعظا فإنّ مواعظ النّاس لن تغني عنه شيئا). بالطبع انا لست ضد الاستماع الى الموعظة او الاتعاظ من الاخرين فانها تحيي القلوب لكن انا ضد ان نبرأ انفسنا او لا نلتفت لها فان اليقين على درجات فليس من سمع بحريق احدهم كمن شاهده يحترق امام عينيه وليس من شاهد الحريق كمن احترق بالنار ،والسلام.
|