التغيير لا التوريث!!

يقف العراق على مفترق طرق تقود الى المجهول، فاذا غامر المواطن و انتخب بمزاج 2010 فان الضوء قد غادر النفق، أما اذا تفحص الوجوه و المنجزات وقارن بين الأقوال و الأفعال وأختار طمعا في التغيير ، فانه بذلك تحمل مسؤوليته العراقية، و ساهم في انهاء مفاهيم التوريث و الفساد ، سيما أن العراق ليس بيتا لعائلة أو حزب وان خيراته ليست لسرق الأصوات و الغطرسة الشخصية أمام أنظار المحرومين.

لن يكون من حق أي عراقي المطالبة بمحاربة الفساد أو احترام حقوق الانسان و المواطنة اذا انتخب الفاشلين أو الفاسدين و الطائفيين، الذين ذبحوا العراق من الوريد الى الوريد ولم يشبعوا سحتا و دما، لذلك فان بقائهم هو الكارثة و رحيلهم هو الخلاص، فكم هي كبيرة أمانة الانتخاب على أساس حب الوطن!!

ليس مهما انتماء المسؤول الى هذا الحزب أو تلك القومية و الطائفة، لكن أن يكون عراقيا بصدق لا مراوغة أو تلون، فقد حرقتنا الشعارات و السلوكيات الطائفية ، و هدمت بيوتنا فتنة الولاءات الحزبية و شخصنة القرارات ، ما يجعل من " انتخاب التغيير" مسؤولية تاريخية، لكي يتنفس المرء برئة اضافية، و يشعل شمعة يضيء فيها ظلام 11 سنة من التناحرات و القتل و انهيار مؤسسات الدولة.

لقد بات واضحا أن الدولة المدنية قد فصلت على مقاسات العراق بكل خصوصياته، بينما ركنت الدولة الدينية العلماء و الكفاءات جانبا، و فتحت الأبواب أمام " أنصاف المتعلمين" لذلك تراجعت النسب الايجابية في كل الاختصاصات و تفاقمت المشاكل، فعندما نضع المسبحة و الخواتم في اليمنى و المكاسب باليسرى نكون قد أسسنا لدولة الفشل مثلما هو حاصل منذ 11 سنة، بعيدا عن شماعة التبريرات الجاهزة و الاجتهادات المريضة التي تضع كل انتقاد على الشحن الطائفي و التسقيط الشخصي و الانتقام من العملية السياسية، هذه الثلاثية التي ليس لها مثيلا في العالم، حيث البناء الصحيح يستند الى قبول الرأي الآخر بينما تظل الطائفية في العراق ورقة سياسية بأمتياز، لذلك يجب اقصاء مروجيها كي تستقر النفوس و تبتهج الوجوه، بعد أن لف السواد أكثر من اللازم مزاج العراقيين ، الذين لم ينصفهم سياسي أو حاكم، حيث الكرسي يخرب العقول عندنا ، و المنصب يحول الى ورث عائلي، ما يكشف عن اسباب عدم امتلاك العراق رئيسا سابقا، فاما القتل أو النفي، والديمقراطية الحالية لا تختلف كثيرا عن ديكتاتورية الأمس و أخواتها.

في مقال سابق قلنا أن مشكلة العراق في قياداته التي تزحف على بطون التسلط و آحادية الرأي منذ عام 1958 و حتى يومنا ، و المرشحة للبقاء اذا لم يحسن الشعب الاختيار في نهاية الشهر الجاري، مرحلة تاريخية تفصلنا عن النجاح و الفشل، بين الولاء للوطن أو مسايرة الغرباء، بين النهوض أو تقليب أوجه التخلف بين الطائفية و

الوطنية، بين الخراب و القتل و التقسيم وبين العراق الذي نحب!! وكم هي كبيرة الفوارق بين التمني و الحقيقة، وكم هي مسؤولية عظيمة أختيار الشرفاء!!

نريد بعد نهاية نيسان ازالة كل معالم الفتنة و الفرقة و الاحتيال على مشاعر المواطن، نريد عراقا لا تتحول فيه الطائفية الى لغة حوار و اجراءات ادارية و تصفية حسابات سياسية، نبحث عن عراق يعيش فيه الجميع باحترام و لاتنتهك فيه الحرمات و لا ينهب المال العام، عراق فيه ابتسامة لا اطلاقة مدفع أو قبعة عسكرية، عراق مدني تترك فيه الهوية المذهبية في البيت و يذهل الناس الى أعمالهم بطيب خاطر لا شارع ملغوم، وهي مسؤولية الناخب قبل أن يعطي موافقته على هذا المرشح أو ذاك، لا تستهينوا باصواتكم فانها أما تؤسس لفتنة أو راحة بال! و الفرق يعرفه العراقي قبل غيره!!