المعري والمرأة من الكراهية لها إلى الانبهار بها ...انتصاراً للمرأة العربية - الحلقة الخامسة.. بقلم/ كريم مرزه الاسدي


 
قلنا في الحلقة السابقة إ ن المعري ظلم المرأة لعُقده وليس لفكره ، والآن تعال معي لنكشف المستور عن المعري المبهور بالنساء والخدور ، لنرجع بك خطوة لتطلّ على مافات ، ونتقدم خطوات لمناصرة البنات !!  
 
نعم صبّ أبو العلاء  نقمته على المرأة بشكل عنيف مرير قاسٍ ، وذكرنا القليل في الحلقة السابقة من جمٍّ كثير ، وفذلكة أقوال ما قال في لزومياته  :    
بدء السعادة إن لم تخلق امرأة
هذا ما جعلني  أبتسم في سرّي مندهشاً  ، ثم أعضّ على شفتي مشفقاً ، وكأني أهمس في أذنه قائلاً:    
سَمِعْتُ نَعِيّها صَمّا صَمَامِ *** وإنْ قالَ العَوَاذِلُ لا هَمَامِ
وأمَتْني إلى الأجْداثِ أُمٌّ *** يَعِزّ عَلَيّ أنْ سارَتْ أمامي
وأُكْبِرُ أنْ يُرَثّيها لِساني *** بلَفْظٍ ســـالِكٍ طُرُقَ الطّعامِ
وأردفته بقولي متسائلا : يا سيدي   نساء الآخرين من الشياطين ، وأمهات المعريين من الملائكة للحواريين ؟!، أنت هنا تسمو بها للسماء ، وهناك تنزلها للحضيض الأوهدِ  " ما كان أغناها عن الحالين " !!! ، اقرأ معنا وحكم أنت يا قارئي الكريم !!
العيش ماضٍ فأكرم والديك به ****   والأم أولى بإكرام وإحسانِ 
وحسبها الحمل والإرضاع تدفعهأ**مران بالفضل نالا كل إحسانِ
 
شيخنا الجليل أبا العلاء وبشار بن برد ( ت 168هـ ) سبقك إلى  هذه الدنيا بثلاثة قرون ، شنع ، وتهتك ، وتغزل ، وتشبب ، وتزوج ، وكان يقول
 
يا قَوم أَذني لِبَعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ *** وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا 
قالوا بِمَن لا تَرى تَهذي فَقُلتُ لَهُم **الأُذنُ كَالعَينِ تُؤتي القَلبَ ما كانا 
 
قال لي : دعنا عن بشار ، وهل تريد أن تعرّفني به ، سامحك الله : لقى ابن القارح في النار إبليس اللعين ، ودار ر بينهما حوار عنيف ثم سأل عن هذا البشار بن برد، فإذا هو أمامه يسام سوء العذاب،  ومع ذلك  سأله ابن القارح عن أخباره ، وحاججه في شعره.  
أبو العلاء يكشف المستور عن جمالية الخدور !! : 
ثم يا أبا العلاء ، ألم تكشف المستور في خبايا نفسك  في تائيتيك المطولتين في لزومياتك التي لا لزوم لها ، ألم تقل بعد نثر ما شعرت به ؟ !!  :  فطلعتهن كالظبيات في اللحظ واللفتات ، ويغدين ويرحن كالغصون متأودات ، في وشي ثياب مورسات ، وبالجواهر الفريد مقلدات ، وفي سنا الحلى متوقدات ، معاصمهن بالأسوار معلمات ، وسوقهن بالحجول لاطوافر مفيدات ، خدودهن بالشباب موردات ، وأكفهن بالخضاب موسمات ، وبناتهن معنمات ،مرهفات القدود مهندات ، في ضيق من الأزر مغمدات ، لحاظهن كالسيوف مجردات ، ثغورهن عذاب بخمرة الريق مفدمات ، خواتهما من الصهب مختمات ، صواحب منطق متزيدات ، مطربات بالمقال مهودات ، يشنفن المسامع قائلات ، ويكلمن القلوب مكلمات ، يترقبهن الفتيان في الصعدات ، وأنفاسهم من الشوق متصعدات ....  (أبو العلاء ..م . س. ص 108 . أ . عبد الرحمن صدقي)، وللأسف لم يستشهد الأستاذ صدقي بأي بيت لأثبات حجة الحديث  ، و التمتع بلذة القصيد ، وإليك هذه الأبيات كما وردت في اللزوميات ( ديوان أبي العلاء - ج1 ، ص  120 ) 
 
فما لكَ والهنودَ منعَّماتٍ***** كــأنّ قدُودَهُنّ مهنَّدات
يفنّدنَ الحليمَ، بغيرِ لُبٍّ  ****وهنّ، وإن غَلَبنَ، مفنَّدات
يُخلّدنَ الإماءَ نُضادَ صوغٍ**فهلْ تلك الشخوصُ مُخلَّدات؟
تقلّدتِ المآثمَ، باختيارٍ ***** أوانسُ بالفــــــريدِ مقلَّدات
إذا عوتبنَ في جَنَفٍ وظُلمٍ*** * أبتْ إلاّ السّكوتَ مُبلِّدات
يغادِرْنَ الجليدَ قرينَ ضعفٍ *** صوابرُ للنّوى، مُتجلِّدات
لقدْ عابتْ، أحاديثَ البرايا ** شُكولٌ، في الزّمان، مولَّدات
أتَعبَدُ، من إثامٍ تتّقيِـــهِ ***ظوالمُ، بالأذى، مُتعـــــــــبِّدات؟
تُريقُ بذاكَ، في قتلٍ، دماءً **رُؤوسٌ، في الحجيج، مُلبَّدات
تعالى اللَّهُ، لم تصْفُ السّجايا، *** فأفعالُ المَعاشِرِ مُؤيَدات
إذا ما قيلَ حَقٌّ في أناسٍ *** فأوجُهُهُمْ لــــــــــــهُ متربِّدات
مخازيهمْ أوابدُ في الليالي *** فلا تَهِجِ الأســــــى، متأبِّدات
وأطهرُ من ضواربَ، في نعيمٍ *** نَعامٌ، بالفـــــلا، مُتهبِّدات
تُقّيدُ لفظَها عــــــن كلّ بِرٍّ **** مَواشٍ، بالحُل* يّ، مقيَّدات
عَجِلْنَ إلى مَساءَةِ مُسْتجيرٍ *****لَوَاهٍ، في الخطَى، مُتأيِّدات
وتنقُصً، خيرُها، أشَراً وفتكاً *** صَواحِبُ منــــطقٍ متزيِّدات
تأوِّدُ منك عقلاً في سكونٍ  *** غصونُ خــــــواطرٍ، متأوِّدات
فلا يجلسْ على الصُّعَدَاتِ لاهٍ *** فأنفاسُ الفت* ى متَصَعّدات
تَمُرُّ به حوالِكُ، فوق بِيضٍ ***وخُضرٍ، فــــي العقيقِ، مُسبَّدات
ومن تُخلقْهُ أيامٌ طـــوالٌ ******* فإنّ شجُـــــــــونَه مُتَجَدّدات
وتَسْنَحُ بالضحى ظَبياتُ مَرْدٍ **** بكلّ عظيــــــمةٍ مُتمــــرّدات
وقد أُغْمِدنَ في أُزُرٍ، ولكن  *** سيــــــــوفُ لحاظِهنّ مُجرَّدات
وورّدتِ اللّباسَ، بلونِ صِبْغٍ **** خُدودٌ، بالشّبــــابِ، مُورَّدات
ومَنْ فقدَ الشبيبةَ، فالغواني *** له، عنــــــد الوُرودِ، مُصَرِّدات
هواجِرُ في التّيَقّظ أو عواصٍ **** وفي طيفِ الكــرى مُتعهّدات
إذا سَهّدْنَهُ بطويلِ هَجـــــــــــرٍ *****فمـــــــا أجفانُهنّ مُسَهَّدات
تخالفَتِ الغَرائزُ والمعاني ***** فكيـــــفَ تَـــــوَافَقُ المُتجسِّدات؟
فما بينَ المقابرِ نادبـــــاتٌ؛ ***** ومابين الشُّـــــــرُوب مُغرِّدات
قدَحنَ زِنادَ شوْقٍ من زُنـــودٍ**** بنــــــارِ حُليّـــــــها متـــــوقِّدات
ها ... أبا العلاء : هذا كلام مجرب ، لو منطق حكيم ، أينك  من؟ !! : 
كَذَبَ الظنُّ، لا إمامَ سوى الـ ****ـعقلِ، مشيراً في صبْحه والمساءِ
(
مشيراً في صبحه والمساءِ ) ، ( واثنان أهل الأرض ...) ..  هل يمكن مشورة العقل دائماً ؟! والعقل الإنساني أساساً هو ناقص ، والإنسان ساهٍ لاهٍ !!، وتقسيم أهل الأرض صنفين لا ثالث لهما ، هذا كلام جرايد ، لكل إنسان عقله ، ما يخصنا ، أبو العلاء الشاعر غير أبي العلاء العاقل ، والقصيدة التائية التي مرّت علينا  ، هي خوالج صادقة ، وأحاسيس ناطقة لشاعر كبير ، رضينا أم أبينا !!
 
إذن هنالك عقد في وجدان الشاعر ونفسيته منتعه من الزواج والاتصال بعالم المرأة الحبيبة ، لا المرأة  الأم أو الأخت أو الجدة !!  إمّا بسبب حيائه وخجله من أن يفرض نفسه على شريكة الحياة لدواعي ما يسمى التعقل و التفلسف أو التردد والتخوف   ، أو في طفولته المبكرة أبان بدايات تشكل العقد النفسية ، استهزأت  به  طفلة كان يكن لها الإعجاب والود ،  وربما  تعرض لأذى ما  ، أو أراد التخلص من عبء الحياة  وتكاليفها   دون أن يضيف زوجاً وأبناء ، فيزيد الطين بلّة  ( هذا جناه أبي علي ... تعبٌ كلها الحياة ) ، وخصوصاً قد عانى الفاقة والعوز خلال فترات من مراحل الحياة ، ولكن بالتأكيد  ليس بسبب جمالية المرأة ، وذوقها وأناقتها وأنوثتها ، ومرّ ما مرّ من أمر التائيتين اللالزوميتين اللزوميتين  !!  
لنترك أمر أبي العلاء العلاء ، وهو يداقع عن نفسه بما  حلّ عليه من بلاء  ، قيكفيه فخراً  قوله :
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعلُ *** عفاف وإقدام وحزم ونائلُ
أعندي، وقد مارست كل خفية** يصدَّق واش، أو يخيًب سائلُ؟
أقل صدودي أنني لك مبغضٌ **وأيسر هجري أنني عنك راحلُ
تعد ذنوبي، عند قوم كثيرةً، **ولا ذنب لي إلا العلى والفضائل
كأني، إذا طُلت الزمان وأهلَهُ*** رجعت، وعندي للأنام طوائلُ
وإني، وإن كنت الأخيرَ زمانُهُ  *** لآت بما لم تستطعه الأوائلُ
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا*تجاهلت حتى ظن أني جاهلُ
وكيف تنام الطير في وكناتها*** وقد نصبت للفرقدين الحبائلُ؟
وقال السهى للشمس:أنت خفيةٌ*وقال الدجى:يا صبح لونك حائلُ
فيا موت زر، إن الحياة ذميمةٌ ** ويا نفس جدي، إن دهرك هازلُ
كأن الثريا، والصباح يروعها **** أخو سقطة، أو ظالع متحاملُ
توقى البدور النقصَ وهي أهلةٌ ***ويدركها النقصان وهي كواملُ
ولمّا كان أبو العلاء قد انبهر من الغانيات الظبيات الفاتنات المتوقدات المرهفات المهندات المختمات المطربات ...وخذ ما شئت من النعوت والصفات ، فلماذا إذن لا يتغزل بهنّ الشعراء من عرب وعجم ، وذكرنا في الحلقة السابقة ، ولعلك تتذكر منها  ، إنّ العرب  تفننوا في مجال تقديسهم لامرأتهم سواء على مستوى عشق  الزوجة أو الحبيبة ، أوحبّ الأم أوالأخت أوالابنة  ،  وجعلوا للعشق مقامات كالشغف واللوعة والصبابة والشوق والتبل والوصب والهيام والتتيم و الوله ، وسار على مسارهم أصحاب العشق الإلهي الصافي من اللذة ، كما يزعمون ! ولله في خلقه شؤون  ، ولا يستطيع الشاعر الحساس ، والعرق الدساس .أن يكبت خوالجه وعوالجه ومشاعره ليصبها مواويل أشجان ،، وتفريغ شحنات ، لتقليل المعاناة ، أو للوصول إلى الغايات .. للغانيات الحليلات ! ووسيلة الوصول ، السحر الحلال  بغزل ونسيب وتشبيب ... ، وكذب مَن قال: إنّ الوقار بالمشيب !! ههههه يقول دعبل الخزاعي :
لا تَعجَبي يا سَلمُ مِنْ رَجُلٍ *** ضحكَ المشيبُ برأسهِ فبكى
    
قدْ كانَ يضحكُ في شيبتهِ ****  وَأَتَى المشيبُ فقلَّما ضَحِكَا 
يا سلمَ ما بالشَّيبِ منقصة ُ *****  لا سُوقَة ً يُبْقي وَلاَ مَلِكا
الحمد لله على كلّ حال ، والدنيا سجال ، ، وإلى الحلقة السادسة من الانتصار ... يا ستار ...!!