قال الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا وأذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون). المقدمة الاولى: كثير من الأفراد يظنون ، أن الناجحين في الحياة ، كانوا افرادا استثنائيين ، وكانت لهم قدرات استثنائية ، وذاتهم تختلف عن المواهب التي امتلكها الآخرون. هذه النظرة إلى الناجحين تنعكس سلبا على نظرة الفرد إلى نفسه ، فالفرد عندما يرى انه لايملك قدرات استثنائية يشعر بالضعف والاحباط ويشعر كذلك بالهزيمة الداخلية ، وهذا الأمر خطير جدا . لماذا؟ لأن الفرد يتحرك بروحيته ، وبمعنويته ، فإذا أفتقدهما ، أصبح عاجزا وفاشلا ومستسلما لايقدر على فعل شئ ، ويصبح أداة طيعة للتسخير وبابخس الأثمان ، واخذ يشعر بالهزيمة الداخلية ، وتنازل عن مقدراته وقراراته لغيره ، قال تعالى : (جند الله هنالك مهزوم من الأحزاب) .
المقدمة الثانية:أغلب الأفراد ، تطور عندهم عامل الهزيمة الداخلية ، إلى هزيمة خارجية ، بفعل عامل اليأس الذي يضغط على إرادتهم ،وفق المقياس: (أن الناجحون يملكون قدرات استثنائية ، ونحن لايمكن أن نكون ناجحين في الحياة ، لاننا لانملك قدرات أستثنائية) ، هذه هي النظرة الواقعية التي يملكها أغلب الأفراد ، لذلك ينطبق عليهم بشكل وثيق قوله تعالى (جند هنالك مهزوم من الأحزاب) ، وصاروا اشخاصا لاحضور لهم ولاموقف ، إذا حضروا لايعدوا وإذا غابوا لايفتقدوا.
بعد هاتين المقدمتين ، يتبادر إلى الذهن جملة أسئلة تجيب على نفسها بنفسها، هي؛ *هل كان الناجحين في الحياة افرادا استثنائيين في قدراتهم البدنية والعقلية والروحية؟ *هل التجار والأفراد والنحويون والسياسيون وجميع المتميزين ، كانوا افرادا استثنائيين ؟ الجواب ، صفتان ، الاولى ، يتوقف على مدى الصورة الذهنية التي يحملها الناجحون والفاشلون حول أنفسهم ، مختلفة . الثانية،نوع ونمط قناعات الناجحين حول أنفسهم ، والفاشلين حول أنفسهم ، أيضا مختلفة . ذلك أن نظام القناعات ، يعتبر من القضايا المهمة ،في تقرير المسير"السيرة" والمصير. الآن انتهينا من ثبات الأفراد ، لنخطوا بعد ذلك إلى ثبات الأمة ، ولنأخذ هذا المثال الدال على ثبات الأفراد؛أراد الرشيد العباسي ، من ابي عمير ، أن يدله على اسماء الشيعة في العراق فابى ، فاخذه وصادر جميع أمواله ، وزجه في السجن 18عام ، وأذاقه اقسى أنواع التعذيب ، كان أهونها ضربه بخشبة فيها مسامير بارزة ، كانت الضربة الواحدة منها ، تكفي لاغماء سجين ، فما بالك أن ضرب هذا الرجل 1000ضربة متناوبة، ولم يضعف ،وخرج من السجن بعد انقضاء المدة ، ولم يعترف بكلمة واحدة. هذا نوع واحد من أنواع الثبات الفردي ، الذي تعددت انواعه في مجال العلم والعمل والجهاد والمعتقد والولاية والسياسة ، وفي شتى مجالات الحياة.
النوع الثاني ، ثبات الأمة ، إذ إن الأمة عندما تكون في منعطفات مصيرية تحتاج إلى ثبات (ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا) ولكن الثبات له ضريبة ،وضريبة عدم الثبات تكون أكبر . التاريخ خير شاهد للذين ثبتوا من الأمم أو الأفراد ، وإذا لاحظنا غزوة أحد على سبيل المثال ، لوجدنا ثبات الامام علي بن ابي طالب (ع) ومن معه المجموعة القليلة مع النبي محمد (ص) ، متميزا ،ولولا هذا الثبات من هذه الأمة القليلة ، لكان الإسلام منتهيا كله من تلك اللحظة ، وهذه الدقائق القليلة من الثبات حسمت مصير الإسلام إلى يوم القيامة ، في هذه المنعطفات التاريخية يجب على الأمة أن تقف بثبات نحو الهزات التي تقرر مصيرها .
العجيب أن القلة من المسلمين وعلى رأسهم على بن ابي طالب(ع) الذين ثبتوا حول النبي (ص) خرجوا من المعركة وهم مثخنون بالجراح ، وبالذات أمير المؤمنين (ع) ، بسبب التفوق العددي ، حيث أحاط بهم الاعداء من كل جانب،
فقد ندم أبو سفيان على أنسحابه من أرض المعركة ، بسبب أن خصمهم ، لم يبق منهم إلا قلة قليلة وقد أثخنوا بالجراح ، وقال متسائلا نحن لماذا رجعنا ولم نستثمر النصر؟ إذن فلنرجع اليهم ونقاتلهم في عقر دارهم ، حتى نستأصلهم جميعا ، بدعوى انتصارهم بحسب الظاهر.قام النبي (ص) بجمع المسلمين على اثر سماعه الخبر، وقرر أن يهاجم المشركين ، وان خير وسيلة للدفاع الهجوم ، وقال (ص)؛ لا يخرج معنا إلا من ثبتوا في المعركة الذين أثخنوا بالجراح ، أما الذين هربوا من المعركة فليذهبوا. وصلت هذه القوة بقيادة النبي (ص) إلى منطقة يقال لها حمراء الأسد ، فسمع أبو سفيان بذلك ، فدخل في قلوبهم رعب شديد ، ادى إلى تراجعهم مذعورين جميعا. هذا ولو أن المسلمين إن لم يثبتوا ، أو لو انهم بدا عليهم الضعف لانتهى الإسلام .
|