الغيرة من حيث هي هاجس من الهواجس تُعرّف كـ"حميّة" او "ثوران الغضب لأمر" كما يذهب عالم اللغة الراغب الاصفهاني، وهي في رسوم المشاعر نقطة حياء حيال ابتذال القيم والمواقف، وتستخدم في العلاقات بين الناس "يغارون على بعضهم" وفي النظر الى الكرامات (يغارون على وطنهم) ويعنينا هنا الشق الاخير من مفهوم وتطبيقات وتجليات الغيرة، اعني الغيرة على العراق بالنسبة لاولئك الذين حوّلوه الى سلعة، او ورقة ابتزاز رخيصة، فيما يعلنون، صوتا وصورة، التزامهم بان العراق دولة مستقلة، وليس ملكا مباحا لتفرض عليه مشيئات من الخارج. بالامس تحدث اكثر من سياسي عن ان العراق "ليس ضيعة لأحد" لكن المتحدثين كانوا يغمزون طرفا سياسيا محليا "خصما" ومنه الى طرف اقليمي، فتفقد الغيرة هنا معناها ومبناها، بل انها تتحول الى اداة تسقيط متبادلة عندما يخوّن كل طرف خصمه بانعدام الغيرة على الوطن. بهدوء وموضوعية، قضية الغيرة على مصالح العراق ليست دعوة اخلاقية، أو إهابات يمكن اختزالها بعبارات او تعهدات ادبية، وهذا ما ورد في "ميثاق الشرف" الذي اطلق العام الماضي بوجوب الارتقاء بالمسؤولية الوطنية وعدم المساومة مع دول الجوار حين يتعلق الامر بسيادة البلاد ومصالحها. اقول: في كل الاحوال، وقبل منع الدول المجاورة من ان تدوس بنعليها على ميثاق الاعضاء في الامم المتحدة وتأخذ لنفسها حق الوصاية على بلد مستقل كالعراق، يجب منع اهل العراق من الساسة والمتنفذين واللاعبين واصحاب القرار والكواليس، من الاستطراد في الشحادة باسم العراق، وساكون واضحا بالقول: ان الدول المجاورة تستضعف العراق ليس في مناحي قوته العسكرية او البشرية او الاقتصادية، وإنما في جوانب اخرى تتعلق بالسياسات والصراعات الداخلية التي لم تبلغ سن الرشد المطلوب، وهي نفسها، في هوس التشابك الفئوي، تفتح شهية الدول المجاورة في خيرات العراق. وساكون اكثر وضوحا لاقول: نعم، ان العراق ليس ضيعة لأحد، ولا يجوز، في الظروف الطبيعية او في غيرها، ان تتعامل اي دولة، او اية جهة مسؤولة فيها، وكأن العراق معروض للبيع.. لكن (انتباه) سيكون كل هذا صحيحا لو ان اصحاب الشأن والنفوذ تعاملوا مع بلادهم باعتبارها بلادهم، وبلاد ابنائها، غير القابلة للتسويق، وليس بلادا معروضة في المزاد.
"ثمة طريقة مضمونة ليكون لديك أعلى مبنى : أن تدمر كل المباني من حولك". حكمة مترجمة
|