حقول التجارب الديمقراطية في العراق |
بينما قضيت الأيام الماضية أتجول في شوارع بغداد، أتصفح ما كتبه المرشحون على ملايين الصور التي ملأت الشوارع، كنت أسمع دوي انفجار هنا، واستغاثة من هناك، يصاحبها عويل، ويقطع الجو الملتهب السائد أحياناً صراخ الشرطي أوالجندي المدجج بالسلاح، يطلب من اصحاب السيارات عدم التوقف حتى ولو شراء صمونة، أو وصفة طبيب، وعلى حين غفلة تلاحظ انقطاع سير السيارات في الشوارع وتحولها إلى ملاعب لأطفالنا المساكين، بسبب تحذير من عبوة مزروعة، أو زميلة لها قد انفجرت وفاحت ريحها النتنة، بعد أن حصدت أرواحاً بريئة، ليأتيك من بعيد منقولاً مع الريح صوتاً هائلاً تحكم عليه أنه صوت مفخخة لعينة، ركنها أو انتحر فيها وإلى جهنم جاهلاً مجنون، لا يقل جنوناً عن القائد الضرورة الذي بالرغم من ذهابه إلا أن العراق ما زال يعيش عقابيل حروبه، وثقافته السابقة، وزرعه الخبيث، من جرائم وقتل نسمع عنها يومياً في المستشفيات، والمدارس، والأسواق العامة والساحات بقنابلها المزروعة ونتائجها المنبوذة، ففي الأمس قيل لي وأنا أسير في شارع الكرادة التي هزها انفجار مجرم، أن عائلة صادف حضها العاثر أن تكون قرب السيارة الداعشية الشيطانية فأبيدت العائلة، باستثناء طفل صغير، ظل يتطلع في الوجوه من دون أن يفقه ما حصل لعائلته، وهذا شيئاً لا نستغربه، ففي الأسبوع الماضي حصل في الأمين الثانية الشيء نفسه لعائلة أعرفهم مكونة من أربعة أشخاص ، ونجى طفلهم بعد أن طلب منه والده الضحية العودة إلى المنزل، قبل أن يكونوا في قلب الانفجار بدقائق . كل هذه الأمور وغيرها من دلالات الشؤم والنواحس، مرت بخاطري وأنا أتجول في شوارع بغداد المجني عليها، من الإرهاب، والساسة معا، خاصة وأني شاهدت أن الكثير من الوجوه من ذوي الملصقات والصور الكبيرة الثمينة مكررة، وكنا نلتقيهم، ونشاهدهم، ونسمعهم على امتداد السنوات العشر المنصرمة، في تصريحات معادة تحض على الفُرقة والتششت، وما يثير الاستغراب في دعايتهم الانتخابية الحديث عن التغيير فأين كنتم عنه هذه السنوات ؟؟؟؟ ما عدا ما شذ عن القاعدة وهو أنكم كنتم مفلسين فأصبحتم متخمين !!!!! وكنتم مجهولين فأصبحتم من ذوي الشأن متبخترين !!!!! والغريب أن كتلهم وأحزابهم تَصر على طرحهم على مائدة المزاد السياسي، وهي تتحدث عن التغيير، وتعلم مسبقاً من هُم، فأي تغيير هذا، ونحن نتنقل من تجربة ديمقراطية إلى أخرى أكثر فشلاً، وضررا، وهل سنظل نجرب كل أربع سنوات حقلاً ديمقراطياً ؟؟ نكتشف بعد لأي أنه مليء بالألغام، بدلاً من الديمقراطية، خاصة وأن العراق يضرب كل عام مثلاً سيئاً في تعطل موازنته، وتفتتها وعدم نفعها، لأنها تتحول في آخر المطاف إلى موازنة توافق وتراضي وحروب بدلاً من أن تكون موازنة للشعب . كل هذا حصل وأنا أستعرض البوسترات والصور، التي خنقت الأنفاس وكتمت على القلوب لأنها لا تعطي للديمقراطية مثلاً مقبولاً، بقدر ما تعطي صورة مشوهة للتكالب الذي لا يُبشر بالخير على المدى المنظور، خاصة وأن أكثر الوجوه غير معروفة وتتحدث عن التغيير نظرياً، من دون الاشارة إلى الأسلوب العملي الذي يحقق ذلك، وأن ارتباطها بالكتل الفاشلة السابقة كان جزءا من المعادلة، وهذا يعني أننا بانتظار تجربة ديمقراطية جديدة مجهولة المصير، قد تدخل خلالها داعش بيوتنا، وتقتحم معاقلنا، ونحن مشغولين بتوزيع صورنا في الازقة والحارات، التي نشاهدها كل صباح طريحة الارض بسبب الريح، أو فعل مسجل ضد مجهول، لنبدأ من جديد إعادتها وترتيبها وغافلين عما يُكاد بنا وما يحصل في وادي الفرات وسدة الفلوجة |