دجلـة الرمـاد

في مثل هذا اليوم من الشهر الفائت كنت في زيارة لبيت صديقي المفكر حسن العلوي. كان العلوي قد حول جدران غرفة الخطار، إلى متحف صور تحمل حكايات ترغمك على التوقف عند كل منها. عندما دارت حولها عيناي أحسست ان روحي تدور في شوارع بغداد. سألته: أما تشعر بأن حكام اليوم يكرهون بغداد ؟ رد علي ويكرهون دجلة أيضا. لاح لي النهر حزينا وبغداد مثله قد لفها السواد. انهم لا يحبون دجلتك يا بغداد ولا يرونها أما للخير والبساتين. الماء والبساتين حياة. وهم يبغضون الحياة. قلوبهم يابسة مثل وجوههم.
البارحة كان التلفزيون ثابتا على محطة فضائية عراقية صورة بلا صوت. ألسنة نار ولهب تنبعث من نهر. براكين تغلي لتملأ القلوب رعبا. جيوش من الغيوم السود ترتفع جبالا شاهقة في السماء. ظننت في البدء انه فيلم وثائقي عن الحرائق التي أشعلها صدام بآبار نفط الكويت عند البحر. لكن الذي يحترق أمامي نهر وليس بحرا. عندما صار بي شيء من الطاقة كي ارفع صوت التلفاز كان العرض قد انتهى. بحثت في الإنترنت وإذا بالمحترق نهر دجلة. صحت: شلت أيديكم أيها الإرهابيون. أما كفاكم قتل الناس حتى تحرقوا أنهارهم؟ إنه دجلة، آخر وشالة الخير في العراق. ويحكم لم أسمع بنهر قد احترق من قبل فمن أي طينة قد خلقكم هذا الرب؟ جاء الجواب إنها الحكومة قد أشعلته بنفسها وليس الإرهاب يا هذا. اشتعلوا.
لا يشعل النار في قلب دجلة إلا من كان يكرهها، وإنهم لنا ولها كارهون. شبكت عشري على رأسي وغفوت على الأريكة. حلمت بالفرات كسيرا يحبو وقد كسر ظهره المتاجرون بالبضاعة الانتخابية الفاسدة. ماؤه تناقص فلم يعد يمتلك غير دمعة ماء يبكي بها أخته ويعجز عن إطفاء اللهب الذي اشعل صدرها. براكين الدخان الجبلية لاح لي فيها وجه هولاكو والحجاج وصدام وسمير الشيخلي والمالكي وكمال الساعدي. كانوا يضحكون.
أيقظني صوت صديقي باسم قهار: يا هاشم لقد مات ماركيز.