ذراع هتلر والدعاية الإنتخابية البدائية


في الديمقراطيات العريقة، عادة ما تتسم الحملات الإنتخابية بأنها محسوبة بدقة، فتعتمد على الإحصاء الدقيق والأرقام، ويتم التركيز فيها على المنجز والتاريخ، فيتم قبلها نبش تاريخ الخصوم السياسيين، للبحث عن ثغرات، لا بالجوانب الشخصية، بل بالمعايير الأدائية المنهجية، فيما يتم تحصين القائمة عبر اختيار مرشحين يتسمون بحد أدنى من الصفات التي يعلق بها غبار الشكوك. الحملة الإنتخابية إذن: هي جهد تنظيمي كبير يهدف إلى تعبئة إدارية منطقية وعقلانية للوصول الى هدف كسب الناخب، معرفيا قبل أن تسلك المسلك العاطفي، لكن دون أن تتركه. إذا حاولنا قراءة المشهد الدعائي للحملات الانتخابية المذكورة، سنجد أنها اعتمدت في مجملها على الجانب الدعائي، كوسيلة للترويج للقائمة وللمرشح، وهذه قراءة واقعية، تعطي دلالات على أن تنحي المعرفة لصالح النرويج. وكي نعطي القضية معناها، نحيل القارئ وهو ناخب بكل تأكيد، الى قضية علاقته بالكتلة السياسية، أو بالمرشح. فقبالة السيل الدعائي، الذي يصح أن نطلق عليه وصف الدعاية البدائية، لأنها اعتمدت أساليب بسيطة تخلو من الابتكار، أو الارتكاز الى التقنيات المتطورة في الدعاية والإعلان، فإنه يمكننا القول إن التعريف بالكتلة والقائمة والمرشح، غالبا ما يفتقر الى البعد المعرفي، مع ملاحظة أن المظاهر الاحتفالية المصاحبة لحملات التدشين، خلت ـ إلا ما ندرـ من أية رسالة معرفية، وطغت الممارسات التي ينتهي أثرها بانتهاء لحظتها، على أجواء الاحتفاليات؛ وهو مؤشر ثانٍ لبدائية الدعاية الإنتخابية يحمل في داخله أكثر من معنى. الحملات الإنتخابية اعتمدت بالدرجة الأساس، على الصور والشعارات الفضفاضة، لكسب التأييد الجماهيري وتعبئة الأنصار. ومن اللافت هو تشابه الأساليب بين جميع المرشحين. صورة مصنوعة بالفوتوشوب، بوضعيات جامدة، أو بذراع ممدود، تذكرنا بذراع هتلر، وفي خلفية البوستر الدعائي، صورة زعيم الكتلة، مع "لوغو" الذي لا يختلف كثيراً عن باقي لوغو هات الكتل الأخرى! أو اكتفت إحداهن بالإشارة الى أنها زوجة فلان، أو شقيقة فلان، أو وارثة مجد فلان الذي لا نعرفه سوى أنه شيخ عشيرة! مرشحات بلا صور، ولا ندري كيف سنعرفهن، وكيف سيجلسن وسط أربعة أضعافهن عدداً من الرجال. وأتساءل بسؤال هو الآخر له دلالته الواضحة: إذا كانت هذه الوسائل البدائية جداً، والباعثة على القيء والقرف، هي وسيلة المرشح والكتلة، لتسويق أنفسهم، فما هي حقيقتهم؟! وكيف ستتمكن دعايات بائسة من أقناع شعب من الراشدين ؟!. كلام قبل السلام: أليسوا بدائيين ببدائية وسائلهم؟! ألا يعبّر ذلك عن فقر الثقافة السياسية في العراق، الذي كنا نردد دوما أنه الأول في صناعة الحرف والثقافة ؟! . سلام