بللم... بللم .... بللم


استيقظ صباحا وراح يذرع الشوارع بدون هدى، هنا مفخخة، وهناك عبوة ناسفة، اما هنا فقد دخل البارحة الارهابيون واستولوا على الجامعة، هناك طفلة ماتت، وهنا امرأة لفظت انفاسها الاخيرة، وهناك شاب قتل بتفجير انتحاري، ردد مع نفسه بتذمر واضح: ادري هذا الموت ، ليس له نهاية، ربما ينتهي اذا تغيرت الحكومة مثلا، نعم فدول الجوار تكره المالكي، مثلا مثلا، اذا ماجاء رئيس وزراء آخر فهل سيقنع دول الجوار بعدم التدخل بشؤون العراق، ربما ربما، حتى قبل ايام وصلت ملايين الدولارات من دولة مجاورة الى مقيمين في دولة مجاورة اخرى، ويمثلون كتلا سياسية تشترك بالعملية الانتخابية، وهو يسير مع تداعياته الكثيرة، اذ لاقى احد المتسولين، اخرج ما بجيبه من باقي الخمسة آلاف واعطاها للمتسول، فرد المتسول: بللم وهو يخرج لسانه لصاحبنا، فعادت به الذكريات الى قضية بللم، فراح يردد : بللم.... بللم ... بللم، حيث ان احدهم اقترض مبلغا من المال من صديق له، فلما استحق موعد الدفع، اعلن المفلس عن عجزه عن تسديد المبلغ، فاقام الدائن عليه الدعوى في المحكمة.
شكا صاحبنا امره الى احد المحامين، فقال: المحامي ساخلصك من هذه الدعوى ولكن عليك ان تطيعني، واتفقا على الاجور، وفي يوم المحكمة اجتمع المحامي بموكله، فقال له: بما انه انت قد وقعت ( كمبياله)، فاحسن شيء تعمله، هو عندما يسألك القاضي اي سؤال ترد عليه بجواب واحد: بللم... بللم ... بللم، وكلما صرخ فيك لاتجاوب سوى بهذه الكلمات، وعندما دخل صاحبنا بللم قاعة المحكمة، سأله القاضي شسمك؟ فقال: بللم... بللم... بللم، وبعد هذا كم عمرك؟ فقال: بللم .... بللم ... بللم، وبعد الاخذ والرد تبين للقاضي ان المتهم مجنون، فحكم بعدم مسؤوليته، وعند خروجه من المحكمة، قال له المحامي، لقد انقذتك، اعطيني اجوري، فرد صاحبنا: بللم.... بللم.... بللم.
ومن المؤكد اننا لو اردنا ان نسأل اي من السياسيين عن تدهور الوضع الامني، سيجيبنا : بللم... بللم... بللم، ونحن قد حفظنا الاجابة، القاعدة ودول الجوار والمليشيات، وحتى المرشحين الجدد سيتعلمون هذه القاعدة ويرددونها عندما سيصبحون في سدة الحكم، وستكون البللم هي سلاحهم الوحيد في اقناع ابناء الشعب عن الموت المجاني الذي يصادفونه في كل وقت، ولا اعتقد ان هذه البللم ستنتهي عندما ينتهي عمر الحكومة الحالية، بل على العكس ربما توسعت دائرة الحرب اكثر فاكثر، خصوصا اذا ما تسلمت الامر قوى علمانية بعيدة عن الدين والتدين، فسيحاول الاخير اضافة الى البللم السابقة ان يأتي ببللم جديدة، وهكذا ستكون حياة العراقي من بللم الى بللم اخرى، وربما تكون البللم العلمانية اقل وقعا وتأثيرا على ابناء الشعب من البللم الدينية، او يكون الامر كما قلنا بتوسيع نطاق الحرب من قبل الحركات المتطرفة، كل شيء محسوب بحسابات دقيقة، وكان من الاجدى ان يصار الى تمزيق الوطن قبل ان تزهق هذه الارواح البريئة التي لم تعرف لماذا جاءت اميركا ولماذا رحلت بسرعة، وهل فعلا ان الولايات المتحدة هزمت في العراق ام انه مجرد ادعاء لتمزيق هذا الوطن اكثر بعد ان رأت الفوضى وقررت ان تمضي بمشروعها الى مالانهاية، متى تنتهي المفخخات ؟ بللم ، متى ينتهي تناحر السياسيين؟ بللم، متى تنتهي الطائفية في العراق؟ ويعود الشعب العراقي شعبا واحدا متماسكا كل واحد فيه يعرف ماله وماعليه، بللم، وهكذا سنشبع من هذا الجواب والنتيجة ستكون بللم في بللم في بللم.