ديمقراطيات متعددة وليس ديمقراطية واحدة..!!



الغريب أن حتى مفهوم الديمقراطية قد تغير في عالمنا اليوم بحيث اصبحت هناك ديمقراطية غير التي كنا نعرفها، هذه الديمقراطية الجديدة التي تلبس قناعا تنكريا، يخفي وجهها القديم وتضع كمامة على فمها خشية افتضاح صوتها، وتبشر بحقبة عربية جديدة يحكم فيها الديكتاتور انطلاقا من الشارع وليس من غرفة العمليات، ويأتي محاطا بافواج الاتباع والحمايات 
وليس من قبل الشعب ، كما جرت العادة، ويحوز تزكية من امريكا ودول الجوار وليس من صناديق الاقتراع، هذه الديمقراطية التي يتولى فيها المرؤوس صلاحيات الرئيس عنوة وان كان الرئيس بلا صلاحيات، ويمنع تحديد مكانه ولا يصرح إن كان حيا او ميتا، للأسف الشديد أنه نهضت شعوب العالم العربي باحثة عن الحرية والكرامة باحثة عن ديمقراطية كثيرا ما سمعت بها ودرستها في كتبها ولكنها لم تمارسها على الاطلاق فكان نتاج البحث عن هذه الديمقراطية تبين انها مستوردة خصيصا لعالمنا العربي اعادت الاستعمار اليه من جديد وبمباركة احزاب وقادة عرب جهلة متخلفون فاسدون وسارقون النسخة من هذه الديمقراطية الجديدة والمسلفنة ولدت وسجلت براءة اختراعها للأحزاب والكتل السياسية وما يسمى بالمعارضة التي جمعت كل نقيض ونقيضة يتغنون بها ليل نهار من على الفضائيات الصفراء والحمراء والسوداء حتى صدعوا رؤوسنا تسمح لمجاميع خطف رئيس الوزراء يأتي على ظهر دبابة موزمبيقية او من جزر القمر او امريكية كما حصل في ليبيا قبل اكثر عدة اشهر وما يحصل في البلاد من تدهور وحروب داخلية بعد ان نصبت دول العدوان على ليبيا من جاءت بهم حكاما يرفضهم الشعب الليبي. وتسمح هذه الدمقراطية بخطف رؤساء عشائر ورجال دين ومواطنين واساتذة علم وفكر وسياسة والهجوم على بيوت مواطنين امنيين كما يحصل في العراق الان، مثل هذه الديمقراطية تتزين بلباس مسروق وكرسي تجلس عليه مغتصب وخطاب التنصيب بصوت مبحوح، ومن محاسن هذه الديمقراطية ان اجهزة الشرطة والجيش المنوط بها القبض على الارهابيين والسراق، تسهل مرورهم عبر نقاط التفتيش ، تاركين الدماء الزكية تروي الارض والاعلام الرسمي يتولى تلميع صورة الممنوعات ويمتدح الحكام، والقضاء المبجل يحل محل السلطات التشريعية يرفع هذا وينزل ذلك وقراراته ملزمة غير قابلة للطعن انسجاما مع الديمقراطية الجديدة.! ديمقراطيتنا نحن العرب تنسجم وتتعايش مع الجوع والفقر والأمراض ونهب الثروات وتشجع على الإقصاء والتهميش والاقتتال،؟!.. لماذا نبقي على وزراء فاشلين، ومحافظين غائبين، ولماذا لم نحاسب نواب وكتل واحزاب سرقونا .؟ لماذا لا نتألم لكل مواطن لا يجد سريرا في مستشفى، وعاطلين عن عمل يفترشون المناطق في تجمعات تسمى عندنا بالعراق( المسطر) وفي دول الجوار (دوار العمال) للبحث عن لقمة عيش يومي..!بعد ان اتضح أن أسلحة الدمار الشامل لا وجود لها في العراق، وأن إرهاب "القاعدة" و(داعش) و(المليشيات) لم يدخل العراق وسوريا واليمن وليبيا إلا في ظل الاحتلال الأميركي، فلم يبق من الأهداف الأميركية المعلنة للحرب سوى التحول الديمقراطي في "الشرق الأوسط" عن طريق بناء نموذج للديمقراطية في العراق تقتفي أثره الدول العربية الأخرى كجزء من خطة المجرم بوش لتغيير العالم.
بدلاً من ذلك أصبح العراق نموذجا لما يجب على دول المنطقة أن تتجنبه بأي ثمن، فلا ديمقراطية الا في الخطابات والدعايات الانتخابية، ولا أمن، ولا إعمار، بل بطالة تشكل 60% وانحدار متوسط الدخل الفردي إلى عشر ما كان عليه و6 ملايين تحت خط الفقر، فضلا عن نهب ثروات العراق والتصرف بحصيلة بيع النفط بدون حساب أو مساءلة فالثقافة الأمريكية ثقافة عنصرية في الداخل وباتجاه الآخر،و ما نشاهده منذ بدء الحملة الدعائية تحولت الكثير من المناطق في عموم القطر وبخاصة محافظة بغداد الى شكل انتخابي من لون واحد، حيث تنتشر صور المرشحين المنتمين لتلك الكتلة او الحزب او التيار في شوارعها، بينما تعرضت صور منافسيها الى حملة تمزيق والويل لمن يعترض او حتى يبدي رأيه لان ثمة قوى مسلحة غير حكومية تمارس نفوذها وسطوتها شئنا ام أبينا .بل ان بعضها جند أشخاصا ومجاميع لتمزيق صور المنافسين أثناء الليل لتجد صباحا وقد امتلأت الشوارع بالصور الممزقة فيما تم إسقاط العديد من اللوحات الدعائية. نتيجة الصراع الانتخابي غير الشريف وغير الديمقراطي انه صراع الدفاع عن وجود هذا الحزب او تلك الكتلة بطريقة متوترة وليس بالطريقة الديمقراطية الحضارية .! فكيف اذا اعلنت نتائج الانتخابات؟!! اليست هذه ثقافة الانتخابات الديمقراطية المزيفة المستوردة لنا خصيصا؟!! وتاريخ أمريكا الديمقراطية تاريخ دموي، ملطخ بالحروب وبالقتل والتدمير، ومن يفاخر بأنه يمارس الديمقراطية، يتلذذ في علاقاته باسوا النظم الديكتاتورية في العالم، ويحارب الدول والشعوب التي تنزع إلى الحرية والاستقلال، والمصالح الأمريكية هي فوق أي اعتبار، ولا قيمة للمبادئ، وكما يقول الأمريكان ليست هناك عداوات ثابتة، ولا صداقات ثابتة، بل هناك مصالح ثابتة، ورغم ذلك، والشعب يهتف تحيا الديمقراطية المستوردة التي لا تجيز التظاهر وتكمم الافواه.!، تحيا امريكا راعية الديمقراطيات المسلفنة.! وبشرى للحكام العرب على الديمقراطية التي استوردوها لنا لخراب البلاد والعباد والحفاظ على كراسيهم العاجية المطرزة بالذهب والماس..!! ولكن سيأتي اليوم الذي يلعن فيه الناس هذه الديمقراطية المزيفة ويقذفون اصحابها با لا.. و بالحجارة..!!!