الانتخابات البرلمانية في العراق.. الوجه الكالح للديمقراطية الصورية

السؤال لم هذه الانتخابات الصورية وفي بلد يجب أن يمهد للانتقال للديمقراطية فيه بحكم مركزي قوي تتم فيه السيطرة على الانفلات الأمني ، ومحاربة الفساد المالي والإداري ، ويؤسس لدولة القانون وإقامة دولة المؤسسات ؟.

فالعراق الخارج من سلطة الدكتاتورية المفرطة ، تحول رأسا وبدون مقدمات وبطريقة حرق المراحل الى ممارسة ديمقراطية لعبة الثلاث ورقات " السيه ورق " ، فبدل ان يسير بطريقة سويه ظل يعرج تارة ويقفز تارة أخرى .

وما نراه مجرد شكليات وممارسات ديمقراطية عرجاء لم تسمو حتى لعتبة الديمقراطية ، في بلد ساهم البرلمان نفسه في نهبه وتخريبه ، وتأخير إصدار القوانين فيه ، وزيادة الفساد المالي والإداري وبرزت فيه المحسوبية بشكل كبير . 

ثم ما الفائدة المرجوة من انتخابات تحمل في دواخلها ومنذ الآن نفس السحن الكالحة لبرلمانيين كرههم الشعب وتمنى في أحيان كثيرة التخلص منهم ؟ . فمعظمهم نتاج ترسبات نظام البعث الفاشي ممن تلبس بلباس " الديمقراطية " ، بينما وقف معظم من ناضلوا ضد النظام الفاشي بعيدا يرقبون المشهد السياسي الغريب ، بعد ان تم اقصائهم بكل جدارة من قبل جمهور عريض من سياسيي الصدفة ، وبقايا النظام الفاشي ، وايتام المقبور صدام حسين .

فهم خليط غير متجانس من شخوص كارتونية تحركها قوى داخلية وخارجية ، وإنصاف السياسيين ، وبعض هواة السياسة الغير محترفين ، ومنتهزي الفرص ، وبقايا حزب العفالقة المنهار ، وطائفيين تعافهم النفس ، وقوميين شوفينيين من أحزاب غير عربية لا تربطهم بالوطن سوى مصالحهم الخاصة في نهب العراق وإضعافه وتخريبه .

هذا الخليط الغير متجانس يبدو ثقيلا على النفس والهضم ، وسبب دائما عسر هضم وآلام معوية للشعب ، فبدا كمرض مزمن يتلوى منه أبناء الرافدين ، وعجزت كل وصفات الأطباء عن علاجه .

وكون الانتخابات صورية وغير ديمقراطية يؤكدها التمترس الطائفي والقبلي والمناطقي في الترشح والترشيح ، وهي نفس الصورة القاتمة السابقة للانتخابات المحلية في المحافظات ، حيث أفرزت الانتخابات مجالس محلية مهترئة وفاسدة ، ومعظمها أمي سياسيا واداريا ، جرى تشكيلها وفق تقاسم طائفي أو قومي أو مناطقي ، وبرزت اكثر المواقف انتهازية في انحياز أشخاص وتلونهم وفق أهواءهم الشخصية من كتلة لأخرى بموجب ما يطرحونه من شروط شخصية مصلحية بحجة انهم " بيضة قبان " .

وأي ديمقراطية هذه التي لا تسمح لكتلة معينة بالدعاية الانتخابية في محافظات تعتبر حكرا على كتل أخرى بموجب التقسيم الطائفي والعرقي والمناطقي للعراقيين ؟ ، فابن الانبار يقف عاجزا عن التحرك والترويج الانتخابي في محافظة اربيل او السليمانية أو البصرة ، وكذا ابن البصرة يقف نفس هذا الموقف في محافظات ممنوع عليه ولوجها. 

ولكوننا نعرف تماما إن ما سيحصل من توافقات قومية وطائفية وسياسية وبوس خشوم ، سيأتي بنفس الشخوص البرلمانية الكارتونية ، وينصب بموجب التوافق أيضا رئيس للبرلمان وليس وفق التصويت الشعبي ، ويتم اختيار رئيس للجمهورية بنفس التوجه وليس عن طريق الانتخاب المباشر او الكفاءة أو الوطنية ، مع حجب منصب رئيس الجمهورية عن أي مواطن عراقي آخر من غير الكتل القومية والطائفية المتحاصصة من حقه الترشح للرئاسة . فالسؤال هو : لماذا كل هذه الهوسه والدوخه والضجة المفتعلة ، وصرف الملايين لانتخابات معروفة النتيجة ولا تمت للديمقراطية بصلة ؟ .

ففي العهد الملكي كانت هناك حصص كما الآن وتوافقات سياسية للقوى الحاكمة ، ورجال العشائر ، وبعض المقربين من السلطة التي تصدر عند كل انتخابات قائمة بهم ، وفي اكثر الأحيان يفوز البرلمانيون بالتزكية ، والعودة للصيغة الماضية اخف وطأة وأكثر " ديمقراطية " ، واقل خسارة . 

والادهى من كل ذلك والأمر أن ما يسمى بـ " المفوضية المستقلة العليا للانتخابات " يجري تشكيلها وفق نفس النسق في التحاصص القومي والطائفي ، وتسمى بـ " المستقلة " ، وتجري فيها مذابح كبرى لأموال العراقيين ، من نهب وسرقات لأموال الشعب بالطرق " الديمقراطية " المشروعة كما يحصل من دعايات مكررة وممجوجه للبطاقة الالكترونية بمعنى صرف اموال من دون أي داع ، وصراع قوي بارز على المناصب من أعلى قمة المفوضية لأصغر موظف ثابت فيها من اجل النهب والسلب ، أو يجري تعيينه إثناء الانتخابات . وشكلت مراكز الخارج الانتخابية صراع مميت على كعكة المفوضية التي يحاول الجميع التهام اكبر حصة منها . والمحزن إن حصيلة انتخابات الخارج لا تتعدى وصول بضعة آلاف تعد على أصابع اليد لا تغني ولا تسمن من جوع ، وخاصة في بلدان الغرب وأوربا حيث لا تتعدى نسبة المصوتين في الانتخابات 4% . إذن لم صرف كل هذه الملايين ، وهل هي مجرد دعاية لديمقراطية صورية لا توجد إلا في دواخل صانعيها؟ .

فالديمقراطية ليست حكما مطلقا فيما تفرزه صناديق الاقتراع ، وألا لاعتبرنا فوز إخوان مصر ومجئ شخصية كارتونية متخلفة كـ " محمد مرسي " قمة الديمقراطية ، أو حزب نهضة تونس أي حزب الغنوشي ، أو أي حركة أو حزب دكتاتوري أو فاشي وصل للسلطة ومارس عكس ما تفرضه قوانين واطر الديمقراطية ، وهاكم اردوكان تركيا مثلا آخر . 

فالديمقراطية ممارسة ونهج قبل أن تكون حكم صناديق اقتراع ، وهي ثقافة وتوجه عام نحو الإصلاح وإشاعة مفاهيم الحرية ، وحكم الشعب وليس حكم الصناديق التي تفرز في بلد مثل العراق بعض الفائزين الذين ركبوا موجة التغيير ، أو خرجوا من رحم حزب العفالقة المنبوذ ، أو صعدوا على أكتاف الجماهير حتى بعض اليساريين منهم . 

آخر المطاف :   «الحاكم كالنهر العظيم, تستمدُّ منه الأنهار الصغار, فإن كان عذباً عذِبتْ.. وإن كان مالحا ملحتْ» أفلاطون

 

وداد فاخر

   * شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج