يتضمن عنوان المقال محمولين جدليين ، الأول ويتعلق بدعوى الإنصاف ، والثاني ويخص مصطلح ( الشروكيين ) أو ( الشروكية ) ، ففيما يخص دعوى الإنصاف ، فقد يراها البعض مرادفة لفكرة الأقليم التي باتت تراود البعض نتيجة الفشل الأمني والسياسي الحاصل في العراق ، فقد حصل جدل كبير بين من يؤيد أو يعارض انشاء اقليم يضم المحافظات الثلاث الواقعة في اقصى جنوب العراق ، على الرغم من ان الدستور هو من اباح ذلك ، فضلا عن وجود اقليم معترف به دستوريا هو اقليم كردستان الذي كان واقع حال منذ عام 1991 ، ومن المفارقات ان الكتل والقوى السياسية التي رفضت تشكيل اقليم الجنوب هي ذاتها التي ضمنت مبدأ انشاء الأقاليم في الدستور المقر عام 2005 ، وقد انقسمت هذه الكتل بين من يؤيد انشاء اقليم يضم منطقتي الجنوب والفرات الاوسط ، ومن يرفض ذلك ايضا على اساس ان ظروف العراق ليست مواتية لتحقيق هذا الهدف ، وهي لم تكن مواتية كذلك اثناء كتابة الدستور الذي تضمن مبدأ الفدرالية ، ما يجعلنا امام امرين : إما ان الرفض قد جاء بعد ادراك هذه القوى لخطئها السابق أو انها تخشى من انشاء اقاليم تكون بمثابة مراكز قوى مناهضة للمركز ، وكلا الأمرين يدلان على سوء تقدير وفشل كبير في تحديد ما يخدم الصالح العام ، وقد ابرزنا في مقالات سابقة ان الفدرالية لا تنجح في العراق ولن تكون إلا طريقا لتفكيك الدولة العراقية ، إلا انني بت مقتنعا الآن ان البلد سائر إليها شاء المعارضون ( ومنهم صاحب هذا المقال ) أم أبوأ ، بسبب السياسات الفاشلة والخاطئة للقوى السياسية الموجودة في الساحة سواء الحاكمة أو المعارضة ، هذا ان لم يصل الأمر إلى حالة الصراع الشامل والأنهيار الكامل فيما لو بقيت الأمور على حالها ، فالأمور التي تحرك البلاد بهذا الأتجاه المخيف والمرعب تزداد يوما بعد يوم ، بدءا من صياغة دستور غير مناسب ، مرورا بالمحاصصة ، وانتشار الطائفية والتطرف ، وشيوع الفساد والمحسوبية ، وتفشي العنف بشتى اشكاله وأسوأ صوره ، واخيرا وليس آخرا استغلال بعض المناطق وجعلها كبش فداء العملية السياسية ، اما الشق الثاني من العنوان فيتعلق بمصطلح ( الشروكية ) المثير للجدل ايضا ، فهو وان حمل دلالة جغرافية إلا أنه ذو مدلول تصغيري وتحقيري ، لكن المثير في الأمر ، ان الناس الذين يشار لهم بهذا المصطلح لم يعودوا يشعرون بالحرج منه ، لا بل اخذوا يتفاخرون به ، فقد بتنا نسمع من يسمي نفسه ( الشروكي ) أو من ينتسب لـ( الشروكيين ) ، وهو مما لم يعهد به من قبل ، ان لم يكن كان يمثل سببا للخلاف والنزاع الشديد ، الرافضون لفكرة الأقليم ، يتذرعون بأنه لا يوجد سبب لإنشاء مثل هذا الأقليم ، وان وجد فلابد ان يشمل محافظات اخرى لكي يكون لهذا الأقليم هوية ما ، لكن رفض فكرة الأقليم الجنوبي لم يصاحبها تحسين واقع هذا الأقليم أو تقليص معاناة اهله ، فمعدلات الفقر بقيت على حالها ، ونسب البطالة وصلت إلى اعلى معدلاتها ، ما دفع الكثير من هؤلاء إلى التطوع في الجيش والشرطة ، عسى ان تتحسن اوضاعهم المعاشية ، ولأنهم يشكلون الجزء الأكبر من افراد القوات المسلحة ، فقد اصابهم الحيف الأكبر من الخسائر البشرية ، بحيث تتلقى المدن والقرى العائدة لهذه المنطقة العديد من الضحايا كل شهر أو خلال العام ، الأمر الذي تسبب بمعاناة اكبر من السابق ، لأن غالبية هؤلاء لديهم عوائل وأولاد ، وقد اصبحوا الآن بدون عائل ، أما مستوى الأعمار والخدمات فليست بالمستوى المرجو ، مقارنة بالموارد الكبيرة التي تقدمها لخزينة البلد ، لكن قد يقول قائل ، أن هذا التهميش والإهمال قد لا يكون مقصودا ، لأن جميع مناطق البلد تعاني من الحال ذاته ، بسبب ظروف بناء النظام الجديد و إستمرار أو إستفحال الصراع مع الإرهاب ، ثم ان النظام الديمقراطي الذي يتبناه البلد اتاح وصول ممثلين عن هذه المنطقة إلى البرلمان والحكومة ، وهؤلاء هم الذين يتحملون مسؤولية التقصير ان وجد ، وجوابنا على ذلك يعتمد على عدة نقاط ، منها ان تحديدنا لمعاناة هذه المنطقة ، نابع من عدد سكانها الكبير الذي يقدر بربع سكان العراق ، ومن واقعها المتخلف الذي قد يمثل الأكثر تخلفا من بين مناطق العراق الاخرى ، ومن مواردها الكبيرة التي لابد ان يكون لها حصة عادلة منها ، أما ممثلي هذه المنطقة فلا نريد ان نبرأهم من تهمة التقصير التي يتحملون جزءا منها بالطبع ، ولكن السياسية العام لا تقررها مجموعة صغيرة من الأصوات بل الغالبية من هذه الأصوات ، ورغم ذلك ، فأن المطالبة التي نرجوها ليست بإنشاء إقليم يضم المحافظات الجنوبية الثلاث ، بل بإنصاف ابناء هذه المنطقة ومساواتهم مع ابناء العراق الآخرين .
|