انتهت الحملة الانتخابية الجزائرية، وأظهرت النتائج الأولية فوز الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (77 عاما) بفترة رابعة أمدها خمس سنوات بنسبة اقتراع بلغت 81 % وهي نسبة عالية لها دلالات إن صحت وإن كذبت. ليكون بوتفليقة إن كتب له البقاء ممن عمر في الرئاسة عشرين سنة، ولا اعتراض على حكم الصندوق، فإن صحت النتائج فليس في الجزائر فتى أقوى وأرشد من بوتفليقة ويا للأسف، وإن كذبت فليس للرئيس إلا كرسي الرئاسة ويا للهول! ولا ننكر تاريخ الرجل وماضيه في الثورة قبل الاستقلال وبعده، وتغرب سنوات قبل أن يؤتى به في ظرف غامض، لينتخب رئيسا يوم لم يكن معروفا للنشء، فما بالك وهو يخوض الانتخابات رئيسا، واستطاع نسبيا تجاوز أزمات كثيرة وحقق للجزائر سلما أهليا عجز عنه غيره. وربما دفع التعاطف مع شيخوخته وضعفه الناس لإعادة انتخابه. وبين التسليم بصحة النتائج وتزويرها خيط من الظنون. أما المنافس الأقرب للرئيس المنتخب والأكثر شبابا منه علي بن فليس (70 عاما)، نجل ثائر شهيد، وقاض سابق، ونقيب محامي باتنة، ووزير للعدل سنوات، وعضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي لجبهة التحرير، وترشح ضمن قائمتها في انتخابات 1991 وهزم أمام مرشحي الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وشغل منصب أمين سابق للحزب وأمين لجبهة التحرير وأمين مجلس الرئاسة، ومدير الديوان الرئاسي، ورئيس حكومة سابق لبوتفليقة، فهو من ذات الوسط، وتربى على ذات النهج، وإن أبعدته عن الرفاق الأقدار والمصالح، وسبق أن رشح للرئاسة وأخفق. فلم يكن رجل المرحلة، وحصل على 12 % من الأصوات، وإذ اتهم منافسيه بالتزوير الذي أصبح كما يقول سمة عامة لانتخابات الجزائر، فقد مارسه مع الشلة من قبل، وكما تدين تُدان. من الصحافيين من يسمع ويرى الخبر وينقله كما هو لا يتدخل فيه، ومنهم من يسمع الخبر أو يراه فتتدخل قناعاته ليصنع منه خبرا آخر، وأنا منهم، (فضول الصحافيين)، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. أعتقد، ما وجدت الجمهوريات ليعمر فيها الرؤساء عقودا، ولو أن الرئيس الأميركي أو الفرنسي أو غيره من الجمهوريات الحرة صنع ما صنع لشعبه من المكاسب والمغانم وحقق لهم من الانجازات ما حقق، ما زاد بولايته يوما واحدا بعد ثماني سنوات ولا نقص، ولن يحصل ذلك إلا في بلاد “العبيط”، لذلك يخلد رؤساء العالم تاريخيا، ويرمى برؤسائنا بورقيبة والقذافي ومبارك وصالح والأسد والبشير على بقايا القمامة. ولو كان الشعب الجزائري يتحكم بمصيره لرفض تعديل ولاية الرئيس عام 2008 لأكثر من دورتين ولكن سبق السيف العذل. لقد سجلت الانتخابات سابقة للرئيس الأميركي المقعد فرانكلين روزفلت، لكن الفرق شاسع لمن يعرفون أن عطل ساقيه كان لإصابته بشلل الأطفال وهو لا يؤثر في طاقته الذهنية، ولم يحصل في التاريخ أن رشح رئيس قارب الثمانين وهو مقعد لعجز نتيجة إصابته بسكتة دماغية تلقي بثقلها على الحركة والتفكير معا كحال الرئيس الجزائري، الذي لم يقد حملة انتخاباته بنفسه وقادها عنه أسوأ فريق فاشل تعثر في السهل، ولم يكن أسوأ منه إلا حملة المعارضة بمقاطعة الانتخابات سواء في تعثر الإسلاميين أو تشتت العلمانيين، ولم تقنع حركة بركات (كفاية) الشارع الجزائري بجدوى المقاطعة، ولو رمى الجميع بثقلهم حول مرشح أي كان لكان أجدى في الحشد للتغيير، ولعدم وجود مرشح معتبر ضُيع صوت الشباب وأصبحوا كمن ينقر طبلا مخروما أو يعزف على وتر راخ، فما حصل يبرهن بشكل قاطع إخفاق النخبة السياسية، وإلا، ماذا نقول بانتخابات عشر أوراق الاقتراع فيها غير مسودة أو ملغاة؟ وأربع مرشحين من ستة حصلوا مجتمعين على 5 % من الأصوات إلا رفع العتب. جبهة التحرير الوطني فقدت البوصلة وتجمدت وبدت تحفة عتيقة، غير قادرة على تشكيل رؤية حضارية للمرحلة القادمة، واقتصر شأنها على المنتفعين منها والمتجمهرين حول الرئيس، همهم استمرار النظام حماية لمكاسبهم، ومن غريب التعليقات: أثبتت نتائج انتخابات الجزائر فشل المنطق جذريا، وصرنا بحاجة إلى دراسة جديدة تغربل أخطاءه الفادحة، فعلم المنطق بعد اعتراف العالم ومنظماته بصحة النتائج ونزاهتها، أصبح في نظري فاسدا كل الفساد. لقد منحت الانتخابات الرئيس كرسي الرئاسة، ولكن نخشى أنها فتحت الجزائر حلبة لصراع الساسة.
|