اشعر بأن العنوان في الوهلة الأولى يبدو صادما و أشبه بكذبة كبرى أو مزحة عابرة ، لكنها الحقيقة المرة التي يجب أن نلتفت إليها و نتعامل معها و نرتب أوراقنا وفقها .
لا مجال للمجاملة أو المناورة أو التساهل ..هي الحقيقة بعينها و بعين العقل و التعمق و التأمل . وللدخول في مصداقية العنوان علينا أن نتفق على النقاط التالية حول الإرهاب : أولا : البيئة : الإرهاب عبارة عن خلايا ميكروبية تبحث دوما عن بيئة حاضنة و مريحة توفر لها الغطاء و المأوى و مستلزمات التكاثر النوعي . وبما أن الميكروبات لاتعيش في الفضاءات السالمة و النظيفة فإنها دوما تبحث عن البيئة الملوثة و غير السليمة لكي تضمن حياتها و نشاطها و فاعليتها و إستمراريتها. ثانيا : الفوضى : الهدوء و السلام و الوئام أعداء الإرهاب الحقيقين ، لأنهم يقلصون مساحة الإرهاب و يهددون حياته . ثالثا : التفكك : الإرهاب يراهن دوما على تفكك المحاور و إبقاء نار الصراعات مشتعلة : كتفكك المحور الوطني ، بسبب الصراعات الطائفية و القومية : حرب سنية – شيعية حرب كردية – عربية حرب إسلامية – مسيحية وتفكك المكونات من الداخل : صراع سني – سني صراع شيعي – شيعي صراع كردي – كردي وتفكيك أواصر الدولة : صراع مركز – إقليم صراع مركز – محافظات صراع بين السلطات الثلاث صراع حزبي في كل من السلطات صراع حزبي في كل مرفق من مرافق الدولة تحت عناوين ( حزبية أو طائفية أو قومية ). هذه الصراعات المنوعة و المعقدة و المستدامة ، المفتعلة من قبل الإرهاب أو الواقعة بسبب جهل الأطراف ، هي الشريان الحياتي الأول للإرهاب لأنها تمنع من مكافحة الإرهاب جذريا و تقوي جبهته و تبقي يده ممدودة في كل مكان . رابعا : الفشل : يمكن التعبير عنه برأس مال الإرهاب ! فالفشل السياسي يديم نظرية الفوضى و الصراع المستدام . والفشل الإقتصادي يوفر بيئة مريحة لجذب ضعاف النفوس و ذوي الدخل المحدود و المضطرين الى الدخول في سلك الإرهاب . والفشل الإجتماعي يوفر الغطاء و البيئة الحاضنة و المدافعة عن الإرهاب . والفشل الثقافي يوفر مادة دسمة من الجاهلين و المتخلفين فكريا و علميا لجعلهم أجساد و عقول مفخخة بالفكر و السلوك الإرهابي . خامسا : الإحباط : هي الثقافة المنشودة لدى الإرهابيين و غذائهم المسموم لكل مجتمع يعملون فيه . فالمجتمع المحبط هو المجتمع الذي لايقوى على مقاومة الإرهاب و هو المجتمع الذي يوفر للإرهاب عشاق الإنتحار و أصحاب نظريات الموت الجماعي و الدمار الكلي . سادسا : الخطاب المتشنج : هو المادة التدريسية الأولى للإرهاب ، فمن خلاله يتم إقناع المترددين و تحفيز المناصرين و شد المتصارعين . فالخطاب الطائفي أكثر ما يفرح الإرهاب و يقوي من عزيمته و براهينه و صحة دعاويه و حججه و ذرائعه . وهنا و بعد الإتفاق على ما ذكر ، نرجع الى حديثنا الرئيسي : من المستفيد الأول من بقاء العراقيين في آتون الأزمات و الصراعات و المناكفات ؟ داعش من المستفيد الأول من الفوضى و التفكك و الإحباط و الفشل في بنية الوطن و الدولة ؟ داعش من المستفيد الأول من الخطاب الطائفي و القومي المتشنج ؟ داعش من الرابح الأكبر و المستفيد الأول من تعكير المياه و الأجواء و تكدير العقول و القلوب ؟ داعش والسؤال الأكبر : من الذي يحقق كل هذه النقاط الأساسية ، و أثبت جدارته في الساحة خلال السنوات الثمانية الماضية ؟ ... هو المكون الذي وفر البيئة و الحاضنة ، من خلال إتهام مساحة كبيرة من الوطن و المواطنيين بالإرهاب و العنف و البعث و .. كم تفرح داعش عندما نقول كل السنة إرهابين ؟ لأنها تتبدل من ثلة صغيرة لاتتعدى الآلاف الى مساحة بشرية تفوق الملايين ! كم يفرح البعثيون عندما نحولهم من حزب فاشل منحل ، بقيادات معدومة و مسجونة و مشردة و منبوذة ، الى حزب جماهيري فاعل و ذات شعبية كبرى ! كم يفرح الإرهاب عندما نقدم له ثلث العراق على طبق من الذهب و نقول له هذه مساحتك و عليك أن تجد طريقك في المساحات المتبقية ! ومن هو المكون الذي خلق الأزمات المتتالية مع كل المكونات الأخرى ؟ فتارة إتهم الكورد بالسرقة و العمالة لإسرائيل و العنصرية و الشوفينية و تارة إتهمها بالتمرد و التمدد و لوح لها بالحرب و العصا ؟ طبعا هنا أيضا المستفيد الأول هو الإرهاب الذي فرح من إنفراط عقد التحالف الشيعي – الكردي ! وراهن على صراعها و تقاطعها و تباعدها و تغيير موازين القوى و التحالفات ! ومن جهة أخرى قدم الأول ، خدمة كبرى للأحزاب الكردية في شد شارعها و الإنغماس في القومية بدلا من الإنفتاح على الجزء الأكبر المشرق من الوطن ! وكم فرح الإرهاب من الصراع الشيعي – الشيعي و التسقيط المتبادل بين الأطراف المتناحرة عسى أن يكون سبيلا أقوى لضربهم و تشتيتهم و إضعافهم ! وكم يفرح الإرهاب عندما يسمع بآذان صاغية الخطابات الطائفية المتشنجة من هنا و هناك و يستعيد ذاكرته النتنة الى سنوات الصراع القريبة ! وكم يفرح عندما يقدم له طرفا بخطابه الطائفي الحجج و الذرائع و البراهين في ضرورة مكافحة النسيج الوطني الواهن ! وكم يفرح الإرهاب من الفشل الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي و الخدمي المريرلكي يرى وجوه المجتمع ، خائبة محبطة تتمنى الموت أو الهجرة لتترك الأرض و ما عليها له و لأصحابه من تلامذة الفكر الظلامي الأسود . الآن علينا أن نشخص من المستفيد الأول من كل ما جرى في السنوات الثمانية الماضية ؟ بفشلها و مرها و أزماتها و صراعاتها و تقاطعاتها و ضعفها و إنهياراتها !!
|