حينما نتحدث عن الإنتخابات وعن فرص العراق الضائعة التي أهدرها السيد المالكي بسياساته الطائفية والتأزيمية يدخل على الحوار أخوة يراهنون على أن صندوق الإنتخابات سوف يؤكد من خلال فوز المالكي على هزيمة خصومه, وبذلك فهم فرحون بهذا النوع من الغلبة. هؤلاء لايدخلون على النصر سوى من خلال بوابة تمزيق الخصوم والمنافسين ولا يحسبون مقدار الضرر الذي يلحقه نصر كهذا بوحدة الصف ووحدة الهدف. ففي هذه المرحلة والتي قبلها, والتي تليها, فإن القائد الوطني الحقيقي هو الذي ينتصر للوطن من خلال عمل جاد لتحقيق وحدة الصف ووحدة الهدف الوطني السياسي, وكان من المؤسف حقا ان بروز زعامة المالكي قد تأكد من خلال قدرته التفريقية وليس قدرته التجميعية والتوحيدية, وصار من شان سياسة كهذه أن تدفع العراق إلى مزيد من الفرقة والتخلف. فإن كان هذا هو تعريفهم للنصر فكيف يا ترى سيكون تعريفهم للهزيمة. وأجزم أنهم هنا مخطئون من واقع تعريفهم لنوعية النصر الذي ننشده. فهم هنا يتحدثون عن نصر لـ (مالك الوطن) ولا يتحدثون عن نصر لـ (وطن المالكي). النصر الأول ليس سوى نصر شخص أو فئة, وقد يأتي على حساب الوطن, أما النصر الثاني فهو نصر وطن حتى لو أتى على حساب الشخص. فإن أتى من خلال الشخص للوطن .. فأهلا بكليهما, الوطن والشخص, كائنا من كان هذا الشخص, حتى لو كان إسمه المالكي. إن مراجعة بسيطة وسريعة لسياسة المالكي في سنوات حكمه الثمانية أكدت على أنه كان يستحصل إنتصاراته من خلال تمزيق جبهات خصومه وشيطنة هؤلاء الخصوم, أما مؤيدوه فكانوا يصفقون لمشاهد النصر تلك دون أن يحسبوا اي حساب لما يمكن أن تفرزه معركة تمزيق وشيطنة الخصوم من أضرار فادحة على مستوى الوحدة الوطنية, هدفا وصف. لقد إستطاع المالكي أن يمزق صفوف العراقية مثلا وأن يشيطن زعماءها ويقضي على البعض منهم بتهمة الإرهاب . وحسب مناصرو المالكي أن ذلك يأتي دليلا على صفات الحذاقة والبراعة التي يتحلى بها. وأظنهم ليسوا مخطئين بما يتعلق بصفة البراعة هذه, غير أنهم مخطئون بكل تأكيد بما يتعلق بطريقة واتجاه تصريفها, فلقد أستخدمت لصالح الشخص وليس لصالح الوطن. وبهذا فإن معنى الهزيمة الوطنية هنا قد يجد نفسه في إنتصار شخص بذاته ولذاته, وسيكون مسهلا وصف نصر كهذا على طريقة أن العملية نجحت لكن المريض قد مات. أما مع أخوته الأعداء من داخل التحالف السياسي الشيعوي فقد إنشغل المالكي بشكل رئيسي بتفعيل زعامته التمثيلية للشيعة على حساب هؤلاء الأخوة وذلك من خلال تنشيط الفعاليات الطائفية في الشارع العراقي وفتح المعارك التي من شأنها أن تقدمه كمدافع مؤتمن على مصالح الطائفة. وتأتي طريقته في القضاء على إعتصام الأنبار للتاكيد على أنه كان بحاجة إلى عدو وليس إلى صديق, ولذا فقد كان تأزيم الموقف بدلا من معالجته مشهدا من مشاهد القصة المعروفة وهي الحاجة إلى نصر (خارجي) لتحقيق الغلبة في ساحة (داخلية). وبكل تأكيد فقد أتت تلك المعارك على حساب وحدة المجتمع العراقي لا لحسابه والحال أن الديمقراطية في مرحلة إعادة بناء الدولة هي سلاح خطير قد يستعمله الشخص بنجاح ومقدرة لصالح بناء الدولة, وليس بالضرورة لصالح بناء الوطن. وقد تكون الدولة الناتجة بفعل الإستخدام الشرير للمسألة الديمقراطية هي دولة شخص أو فئة وليست دولة وطن وشعب, ولذا كان متوقعا لإنجاز دولة على هذه الشاكلة أن تكون المسيرة السياسية معكوسة الإتجاه تماما, فتأتي ملهاة تأسيس السلطة في سياق بناء وطن دولة الشخص والفئة لا دولة الوطن والشعب. والمأساة التي بات العراقيون يجابهونها مع الديمقراطية هي ذاتها التي جابهوها مع الدكتاتورية, وهي مأساة بناء دولة الشخص لا دولة الوطن. |