فلسفة إنتخاب أحزاب شمولية لبناء مجتمع القطيع

عندما صاغ عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو (١٩٠٨-١٩٧٠) نظريته المتميزة في علم النفس بالتركيز على الجوانب الدافعية للشخصية الإنسانية تصور بأن الحياة هي هرم يتشكل قاعدته من الحاجات الفسيولوجية التي يشترك بها الإنسان بل وحتی الحيوان لينتقل الی مرحلة السلامة الجسدية والأمن الوظيفي وأمن الموارد والأمن الأسري والصحي و يتجاز مرحلة الحاجات السوسيولوجية أو الحاجات ذات التوجه الاجتماعي للوصول الی مرحلة الحاجة الی تقدير الذات أو الجانب المتعلق باحترام النفس أو الإحساس الداخلي بالقيمة الذاتية و اكتساب احترام الآخرين للوقوف أخيراً فوق قمة الهرم للبدء بالإبتكار والإبداع والشعور التام بالذات لتحمؔل المسٶولية ولسد فضولية الحاجة إلى الاستكشاف والمعرفة والفهم وحب الجماليات ، الی مرحلة الكينونة Being أو التواجد في أعلى مستوى وجودي للإنسان. نعم هذه النظرية يمكن فهمها إذا أخذنا الإنسان المولود في بنية ثقافية قادرة علی خلق نمط من المسٶولية الإجتماعية لمنع محدودي الأفق الواقفين علی هامش الحياة لركوب الموجة أو لجعل أنفسهم أغطية ثقيلة تخنق القدرات الخلاقة. من يتحمّل مسؤولية النكبات والأزمات التي تحل علی العراق بعد كل هذه الممارسات الخاطئة لأحزاب لاتمتلك إلا صفات الشمولية بأطيافها الإستبدادية المركزية؟
في بيئة القطيع لا يحتاج المترشح الى برنامج انتخابي ولا الى بيان السيرة الذاتية أو الی تزكية أعماله التي تدل على انتمائه الوطني و تكنوقراطيته ، فكل مايحتاج إليه هو تزكية من شيوخ الأحزاب "الشمولية" الذين غالباً لهم أجندات إقليمية منتهية الصلاحية يحاولون تسويقها ، ينشرون ثقافة سمعية وتعليم تلقيني ، فتصبح التزكية بمثابة تعويذة سحرية يتلقفها المترشح سراً عن باقي زملائه الاسوأ حظاً ويتناقل القطيع سرؔ تلك التعويذة التى تلازمها البركة فيتسابقون الى تنفيذها كأقنوم إلهي أو كوصية مقدسة.
نعم المغفلون هم دوماً القرابين التي تدفع حياتها ثمناً لأخطاء ساستها وقادتها وقصور عقولهم. أما ضعف ثقافة الناخب الجاهل الذي لايتمكن من أن يفرق بين المتغيرات على نحو استراتيجي ليختار من بينها الأفضل أو من بين الساسة الأفضل وكذلك بروز ظاهرة التسقيط السياسي والحملات الاعلامية الصفراء ومرض الطائفية وتقافر الواقفين على ارصفة النكرات الى مواقع قيادية ، تسؔهل الأمر لإتخاذ القرارات التاريخية بروح القطيع الذي يساق للإختيار فرضاً ، لتشاع ظواهر إجتماعية ضارة كالفساد المالي والفساد الإداري والفساد العقلي.
عقلية القطيع السائدة وللأسف هي عقلية تعتمد علي ادارة العقل الباطن للامور ، لذی نری الساحات السياسية في المنطقة في الاغلب عبارة عن ساحة للتنافس والصراع والتناطح حول الزعامة في المقام الاول.
الاغلبية أصحاب العقل القطيعي تظن بان تغيير الزعامة الحالية بزعامتهم هم- هو الحل- من دون الاشارة الي تغيير اسلوب ادارة الدولة القبلي الحالي او تغيير اسلوب القطيع الحالي باسلوب حديث يدير دولة حديثة متعددة الأعراق. من منا سمع من حزب يقدم برنامج ستراتيجي سیاسي ليقود البلاد الی الاصلاح أو ليخرجه علی الأقل من وحل الفساد؟
إن المجتمعات الأكثر تقدماً تنظر للأمام ، ينبع تقدمها من ديناميكيتها وقدرتها المستمرة على خلق الجديد واستيعابه بسرعة ضمن منظومتها. أما الجمود فيسود دوماً تلك المجتمعات التي تنتشر فیها سيكولوجية المنبر والمنصة ، أي سیناريو المتكلم الواحد والمستمعين الكثيرين ، فالمتكلم هنا يتحدث في كل أمور الدنیا والآخرة وما على السامعين الغير نشطين إلا الإنصات والموافقة. إنها مجتمعات تقوم دائماً على تكرار الأخطاء ويتمحور تفكيرها ونظرتها للحياة نحو الخلف. عندما تتحول كلمات الزعيم الأوحد أو القائد المغيار أو رجل الدين "الصالح" أو أياً كان الی آیات بينات لا يمكن الحياد عنها لأنها ببساطة هو الصواب المطلق وعندما تحصر الجموع كل تفكيرها فيما يقوله هذا الزعيم أو القائد أو الإمام أو المنظومة الابوية ولا تفكر في شيء سواه ، يمكن أن نقول بأنە لاوجود للتنوير في تلك المجتمعات.
هنا لا بد أن نعيد طبعاً وللأسف للمرة الألف ما رفعه الفيلسوف الألماني عمانوئیل كانط (١٧٢٤-١٨٠٤) كشعار في التنوير: "تجرأ على استخدام فهمك الخاص!" فالتنوير هو خروج الإنسان من القصور الذي يرجع إليه هو ذاته. والقصور هو عدم قدرة المرء على استخدام فهمه دون قيادة الغير. الكسل والجبن هما السبب الذي يجعل طائفة كبيرة من الناس يظلون، عن طيب خاطر، قاصرين طوال حياتهم، حتى بعد أن تكون الطبيعة قد حررتهم، منذ مدة طويلة ، من كل قيادة خارجية والذي يجعل آخرين ينصبون أنفسهم بسهولة أوصياء عليهم.
وختاما نقول: "أيها الدستور المسكين.. اعذرنا على ما فعل السفهاء بك.